الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 28-يناير-1986 م
إن الاستمساك بالنهج الصحيح ضروري لكل داعية ولازم له وواجب عليه ، لأن الإسلام يقضي به ، والواجب على المسلم أن يتمسك بما يقضي به الدين ، كما أن التزام هذا النهج الصحيح يقرب من الغاية ويوصل إلى المراد ولو بعد حين بخلاف غيره من المناهج فإنه خطأ ويبعد عن الغاية ولا يوصل إلى المطلوب.
فإذا قام الداعي بما هو مطلوب منه لم يكن مسؤولا عن نتيجة عمله من حيث بلوغ الغاية والوصول إلى المراد ، والحساب إنما يكون على مشروعية عمل الإنسان وهو أدى كل ما عليه من واجب ؟ وإذا تبين هذا الأمر وفهمه الداعي بوعي وإدراك لم يكن له أن يخرج على النهج الصحيح بحجة صعوبته أو طوله ، أو عدم قبول الناس له أو تعجلا من الداعي لبلوغ الغاية أو انسياقا وراء عاطفة نبيلة دينية حسنة ورغبة صادقة في العمل والجهاد ، وفي الشهادة في سبيل الله ، لأن الخطأ لا يصير صوابا بالنيات الحسنة والعواطف النبيلة ويكفي لنا دليلا على أن الدعوة الإسلامية ما سارت وراء رغبات المتحمسين وعواطف الصادقين المتعجلين ، فالقتال ما شرع في مكة ، وكان جواب صلى الله عليه وسلم للمعجلين “أن اصبروا” .. وصلح الحديبية لم تتسع له صدور كثير من المسلمين بالرغم من صدقهم وعمق إيمانهم واستعدادهم للقتال والاستشهاد ولكن اتسع صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المسألة ليست مسألة استعداد للموت والصدق في هذا الاستعداد وإنما المسألة هي لزوم السير على النهج الصحيح فهو وحده الموصل إلى المراد وبلوغ الغاية على الوجه المطلوب ولهذا نزل القرآن واصفا ذلك الصلح بالفتح المبين .
الأساليب السليمة للدعوة
ويجب على الداعي أن لا يتأثر بالعواطف والحماس بدون النظر الشديد في اختيار الأساليب والوسائل السليمة في ضوء المصادر الصحيحة القوية وإن الحماس والعاطفة والرغبة في العمل يجب أن يوجه ذلك كله لتحقيق وتنفيذ الأسلوب الصحيح ، لا أن يوجه ذلك للتشكيك في الأسلوب الصحيح والابتعاد عن الوسائل السليمة والجدل العقيم والمناظرات الجافة التي لا تؤدي إلى نتائج نافعة ومثمرة .
إن الفهم الدقيق الجيد لمعاني النهج الصحيح يسهل الالتزام به ويعين على استقائه من مصادره الحقيقة ، ويستفاد من الآيات الكريمة العديدة التي خاطب الله تعالى به خاتم رسلهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من أمور الدعوة إليه ، ما يعين كل داعية على معرفة المنهاج الصحيح للدعوة والتزود من معانيها ما يثبت فؤاده ، ويؤكد القرآن الكريم لزوم الاقتداء بمنهج رسول الله في الدعوة إليه ، وقال تعالى في سيرة المرسلين في أمور الدعوة إلى الله : “لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب، ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي يبين يديه وتفصيل كل شيئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ” (سورة يوسف: 111) . وقال أيضا : “أولئك الذين هدى الله في هداهم اقتده” .
في سيرة الرسول أسوة للدعاة
وفي السيرة النبوية المطهرة أسوة حسنة للدعاة في جميع الأزمنة والأمكنة والبيئات وفي كل المجتمعات والمستويات ، ولمعالجة مختلفة الأحداث والظروف التي يواجهونها في شتى مراحل الدعوة وأحوالها ، وأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مر بمختلف الظروف والأحوال في فترات دعوته في مكة والمدينة وواجه العديد من الأحداث والظروف وعالجها ، فما من حالة يكون فيها الداعي ، أو أحداث تواجهه ، إلا ويوجد نفسها أو مثلها أو شبهها أو قريب منها في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فيستفيد الداعي منها الحل الصحيح والموقف السليم الذي يجب أن يقفه إذا ما فقه معاني السيرة النبوية .
وكان من حكمة الله العزيز الحكيم ولطفه أن جعل رسوله الكريم يمر بما مر به من ظروف وأحوال حتى يعرف الدعاة المسلمون كيف يتصرفون وكيف يسلكون في أمور الدعوة في مختلف الظروف والأحوال اقتداء بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت السيرة النبوية والتوجيهات النبوية الكريمة تطبيقات عملية لما أمر الله به رسوله في أمور الدعوة وتبليغ الرسالة ، وما ألهم رسوله في هذا المجال ، فلا يجوز للداعي أن يغفل أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان السلف الصالح من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان ، أعلم من غيرهم بمراد الشارع وفقه الدعوة ففي سيرتهم أيضا سوابق مهمه في أمور الدعوة يستفيد منها الدعاة .
خطة ملازمة لأصناف المدعوين
أما الداعية – في كل زمان ومكان – فهو يواجه أصنافا من الناس جاهلين بالحق أو متمردين عليه أو غافلين عنه ومقبلين على الدنيا وشهواتها بدون تفكر وتدبر أو ملحدين بالأديان ومنكرين الله تعالى أو مشركين به حيث يؤمنون بوجود الخالق ولكن لا يؤمنون بوحدانيته بالألوهية واستحقاقه وحده بالعبادة ، وهناك أيضا أناس من المؤمنين المسلمين ولكن الخرافات والعقائد الفاسدة والبدع قد تسربت إلى حياتهم الدينية وانحرفوا عن طريق الإسلام الصحيح في التطبيق العملي لتعاليم الإسلام ، ولا بد له من كفاءة وقدرة على حسن التصرف في وضع الخطة الملائمة والأسلوب الصحيح لمواجهة صنف المدعون الذين يخاطبهم ويواجههم ، وكل ذلك في ضوء ما تعلمه من قدرة إمام الدعاة الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه أن يعلم أن هذا المنهج هو الذي اتبعه أعلام الدعاة الإسلامية في خير القرون .