لمدينة – 19 ربيع الآخر 1400
إن الوحدة الفكرية بين المسلمين تلعب دورا هاما في هذه المرحلة الخطيرة التي يمر بها العالم الإسلامي ، وفي مقدمة الوسائل الفعالة التي تساعد على إيجاد التقارب الفكري بين الأمة الإسلامية نشر اللغة العربية بين الشعوب الإسلامية لأنها تحمل في طياتها القيم الروحية التي يمنحها الإسلام لكل مسلم ، كما تكمن فيها روح الألفة والمودة والأخوة التي تربط بين قلوب المسلمين برباط وثيق ، ولما كانت العلوم الإسلامية كلها تقوم على المبادئ القرآنية والسنة النبوية ، فيجب اغترافها من مناهلها الأصلية إلا وهي نصوص القرآن والحديث النبوي فلا يتحقق هذا الهدف المنشود إلا عن طريق اللغة العربية التي هي وعاؤهما الأصلي .
ولقد منح الله سبحانه وتعالى للمسلمين هذه اللغة لتحقيق التفاهم والترابط بينهم في أنحاء الأرض ، بحيث يستطيع كل مسلم أن يقرأها ويفهمها بل ويتحدث بها ، وإنها أيضا الوسيلة الأولى لنشر الدعوة الإسلامية ، ومن هنا كانت اللغة العربية أحد الأهداف الرئيسية لأعداء الإسلام والمسلمين ، إذ وضعوا خططهم لعرقلة انتشارها في العالم ولتحطيم أواصرها التي تربط بين المسلمين برباط فكري ولفظي ، لأن القرآن ليس مجرد مبادئ وتعاليم منعزلة عن الظاهر اللفظي ، وإن إعجاز القرآن منوط باللغة العربية .
وإذا رجعنا إلى نصوص القرآن وجدنا أن اللغة العربية هي مركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن الكريم ، إذ جاء فيه :”إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون” و “كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعملون” و “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها” ، وإن دراسة القرآن والحديث تحتاج إلى اللغة العربية لما فيها من معان سامية ومفاهيم أصيلة ، وإذا قدمت معاني القرآن أو الأحاديث النبوية مترجمة إلى اللغات الأجنبية فتعوزها روح الأصالة وروعة النصوص التي ينوط بها إعجاز القرآن ، وكذلك غزارة المعاني التي تمتاز بها اللغة العربية .
اللغة العربية وعلوم الحضارة
وإن للغة العربية فضلا كبيرا في نشر حضارة الفكر العربي وتقدم العلوم والفنون والآداب المختلفة ، ولأجل القرآن ظهرت علوم القرآن كلها ، كما ظهرت علوم اللغة والنحو والصرف والبلاغة التي كانت أساسا لتفسير نصوص القرآن وفهمها ، ومن أجله أيضا ظهرت علوم منهجية مثل علوم التواريخ والأخبار الأسانيد وغيرها ، كما تقدمت – تطبيقا لتعاليم القرآن – علوم كثيرة مثل الرحلات والجغرافيا والسير ، واستحدثت علوم الطب والكيمياء والاجتماع وعلوم أخرى تابعة لدراسة القرآن ، مثل التجويد والتلاوة إلى جانب علوم عديدة إسلامية ، ويتضح من هذا كله مدى طاقة اللغة العربية لما تمتاز به من قوة بيانها وأصالة ألفاظها وأصواتها وموسيقي وكلماتها ووفرة معانيها ، وقد أدرك الإسلام والمسلمين دور اللغة العربية في المحافظة على الوحدة الفكرية والظهرية التي تحملها اللغة العربية إلى الأمة الإسلامية كلها ، فوضعوا خططا خفية لنشر الفرقة بين المسلمين بالانتزاع من أيديهم حبل اللغة العربية الذي يعتصمون به جميعا فحينئذ يسهل على هؤلاء الأعداء تشويه تعاليم الإسلام بين من لا يعرفون اللغة العربية من ناحية ، ومن ناحية أخرى يستطيعون أن يقطعوا ذلك الرباط الذي يربط بين أبناء الأمة الإسلامية برباط فكري وروحي ، ومن هنا يتضح دور اللغة العربية في معركة المصير التي تهدد المسلمين جميعا ، لأن الاستعمار الفكري والمخطط الصهيوني الشيوعي يستهدف القضاء على الإسلام معنويا وفكريا بتشويه تعاليمه وبص السموم الفكرية بين أتباعه .