الشرق – الثلاثاء 22-سبتمبر-1987م
ترجع جذور المحنة الأفغانية التي صارت اليوم من أبرز القضايا العالمية وأخطر المشاكل الإنسانية وأشنع أنواع الاحتلال الأجنبي الغاشم في تاريخ البشرية إلى شهر أبريل عام 1978م حيث قام نور محمد تراقى بالانقلاب العسكري ضد حكومة سردار داود خان الذي تولى بدوره الحكم في أفغانستان عام 1973م بعد أن أطاح بملكه السابق ظاهر شاه ، وقد تضاعف الموقف فيها خطورة وصارت المشكلة عميقة في عام 1979م عندما قام رئيس وزراء حكومة تراقى ، حفيظ الله أمين بإطاحة الحكومة وفتح الباب إما التدخل الأجنبي الرسي ، وبدأ تدفق اللاجئين الأفغان إلى البلاد المجاورة وخاصة إلى الباكستان حيث بلغ عددهم في منتصف عام 1980م حوالي مليوني نسمة !
بداية التدخل العسكري الأجنبي
وكان تاريخ 26 من شهر ديسمبر عام 1979م نقطة نحول هام وخطير في تاريخ محنة أفغانستان حيث وقع التدخل العسكري المسلح الروسي في أفغانستان ونصب حكومة بابراك كارمل وفجأة تغير الموقف بصورة جذرية وارتفع عدد اللاجئين إلى أرقام ضخمة ونزح اللاجئون من المدن والجبال ووديان أفغانستان فرارا من الانتهاكات الشيوعية لحقوق المواطنين الأفغان الشرعية ومن أنظمة الاستراتيجية السوفيتية لتحويل أفغانستان إلى دولة شيوعية تدور في الفلك السوفيتي الشيوعي .
وقد واجه الشعب الأفغاني هذا الموقف بشجاعة ومصابرة وهمة ، وقرر الأفغان أن يواجهوا هذا الاحتلال العسكري بجهاد مسلح لطرد الاستعمار وإنهاء الاحتلال بروح التضحية والفداء ولمواجهة العدو في كل بقعة من أفغانستان ، وأخذ المسلمون الأفغان يشعرون بوطأة الحكم الشيوعي عليهم ونظموا أنفسهم للدفاع عن دينهم ووطنهم بكل غال ورخيص ، وجدير بالذكر أن الشعب الأفغاني شعب معتز بإسلامه عقيدة وشريعة وقد صمد هذا الشعب أمام جميع الغزاة طوال التاريخ كما هو معروف من صموده أمام الأكاسرة والقياصرة الروس والانجليز .
كيفية تنظيم الجهاد
لقد قام المجاهدون الأفغان أمام الظلم والإرهاب والقمع الشيوعي تحت مظلة الحماية السوفيتية بتنظيم أنفسهم وتمركز جنودهم في المناطق الجبلية وأخذوا يهاجمون القوات الحكومية العميلة في عدة مناطق وأيد هذا التنظيم الجهادي جميع فئات الشعب الأفغاني المسلم المخلص من العلماء والزعماء والقادة في الجيش والأحزاب السياسية ووقفوا إلى جانب المجاهدين ، وكان في مقدمة قيادات هذه المقاومة المسلحة أو الجهاد المسلح بتعبير أدق ، زعماء ورجال القبائل المحافظة على العادات والتقاليد الإسلامية الأصيلة القائمة على عقيدة راسخة من أصول الإسلام .
والقاعدة الثانية من صرح الجهاد الأفغاني قادة وضباط القوات المسلحة الأفغانية الذين تمردوا على السلطة الحاكمة الشيوعية وانضموا إلى المجاهدين ولقد أنزل المجاهدون الأفغان الهزائم المستمرة في قوات الحكومة العميلة وجيوش الاحتلال رغم أنهم يخوضون معركة غير متكافئة في العدد والمعدات ولكن سلاح إيمانهم بحقوقهم وبوطنيتهم أقوى من أي سلاح مادي آخر ، ومع التفوق النوعي والعددي لقوات الحكومة والاحتلال على المجاهدين نرى أن المجاهدين يقابلون هذه الأسلحة الفتاكة ببنادق تقليدية قديمة وبعضها من صنع أيديهم والآخر من مخلفات الحرب العالمية الثانية ، وأما الجيش الروسي في أفغانستان فيبلغ عدده الآن أكثر من مائة ألف جندي مجهز بأحدث الأسلحة تدعمهم مئات من طائرات ميج 21 ترابط في عشرات القواعد الجوية المحكمة على الحدود الروسية الأفغانية .
دور المرأة في الجهاد الأفغاني
ولا يخفى على من له إلمام بتاريخ أفغانستان وحياة شعبها التقليدي القائم على المحافظة على الحجاب والحشمة للنساء ومحاربة التبرج والسفور وحتى صار مستوى التعليم بين النساء ضئيلا للغاية بحكم الحياة القبلية المتوارثة ولكن من بواعث الغبطة والسرور أن المرأة الأفغانية لم تتخلف عن الانضمام إلى صفوف المجاهدين لمقاومة الاحتلال الأجنبي والإلحاد الشيوعي والاستعمار من كل أنواعه ، فوقفت كالرجال تماما في جميع مجالات الجهاد والمقاومة المسلحة ، وسقطت شهيدات في ساحات الجهاد ، وأقرب مثل على ذلك اشتراك النساء والطالبات في مظاهرات صاخبة بمناسبة ذكرى انقلاب ابريل عام 1978 والتدخل الروسي ، فتحولت إلى مصادمات دموية مع جنود الحكومة والاحتلال فسلطوا أفواه البنادق نحوهن ، وفي مظاهرة أخرى خرجت طالبة وفي يدها علم المجاهدين يحمل كلمة التوحيد ، تهتف ضد النظام العميل فتعرضت لطلقات من رصاص جندي ظالم ، ولكن سرعان ما أخذت ذلك العلم فتاة أخرى ولم تتركه يسقط وتعرضت لمزيد من طلقات الرصاص ولما سقطت هي الأخرى هرولت فتاة ثالثة لحمل العلم وتأخذ طريق أخواتها إلى الشهادة في سبيل التوحيد !
لماذا يخاف الروس المد الإسلامي في أفغانستان ؟
روسيا تخاف أشد الخوف من نجاح جهاد الأفغان والمد الإسلامي في أفغانستان ، لأن الاتحاد السوفيتي يحكم أكثر من ستين مليون من المسلمين في مناطق متاخمة لأفغانستان وهي ذات موارد ومصادر استراتيجية داخل الأراضي السوفيتية ولهذا كان الروس دائما يعيشون في قلق شديد من انتشار المد الإسلامي من حدود الباكستان وأفغانستان إلى مسلمي روسيا ن وقد أشارت إلى هذه المخاوف الصحيفة الرسمية السوفيتية “الأزفستيا” في بداية تشديد الحملة الروسية ضد المجاهدين الأفغان عام 1980م حيث نشرت تبرر قمع القوات الروسية المحتلة لهم ، هذه العبارة الصريحة لعدم السماح بقيام حركات مماثلة في بعض المناطق المتاخمة داخل أراضي الاتحاد السوفيتي (الأزفستيا 3/6/1980) وبينما تخشى روسيا من المد الإسلامي في حدودها تخشى أمريكا تفاقم هذا المد في مناطق نفوذها في آسيا وأفريقيا وتكتفي بالاحتجاج الظاهري لأن الضحية هو الإسلام وأمته في النهاية ومن هنا يقول بعض المراقبين إن أمريكا هي المستفيد الوحيد من احتلال روسيا لأفغانستان .
موقع استراتيجي خطير
تقع أفغانستان في موقع جغرافي استراتيجي خطير في آسيا الوسطى وتقدر مساحمتها بحوالي 500 ، 647 كيلو متر مربع ، تحدها باكستان من الجنوب وإيران من الغرب والاتحاد السوفيتي من الشمال والهند والصين من الشرق ، ويبلغ طول حدودها مع الاتحاد السوفيتي 1200 كيلو متر ، وحسب إحصائيات عام 1985م فقد بلغ عدد سكانها حوالي عشرين مليون نسمة ، وأما الفتح الإسلامي فقد بدأ لأفغانستان منذ أيام الخليفة الثاني عمر الفاروق رضي الله عنه ومن هناك تقدمت الفتوحات الغزنوية والمغولية إلى شبه القارة الهندية حيث قامت امبراطوريات عظمى قوية للمسلمين ، وفي القرن الماضي كانت أفغانستان مقبرة للمستعمرين الانجليز وسوف تكون مقبرة أخرى للمستعمرين في القرن الحالي على سواعد المجاهدين الأفغان .