الدعوة – 1-يونيو-1982 م – دلهي – الهند
(10) مكانة المرأة في الإسلام .
لا يكتمل نظام ولا دستور سماويا كان أو وضعيا بشريا ولا يكون عاما ولا خالدا إذا أهمل مشكلة المرأة التي تشكل نصف الأمة من غير حل مرضي يتفق وفطرة الناس وطبيعة العالم وإذا لم يضع منهاجا خاصا لها يختلف عن مناهج الرجل في بعض الأمور وفقا للفوارق الطبيعية بين جنس الرجال والنساء المتفاوتين في كثير من القدرات والخبرة والمقومات .
وإذا نظرنا إلى الدستور الإسلامي العالمي الخالد الصالح لكل زمان ومكان في ضوء التقرير المذكور نجد فيه أنه يحل هذه المشكلة حلا وسطا عادلا طبيعيا فإن الإسلام يأخذ بيد المرأة فيهديها ويعلمها ثم يجعلها في مستوى الرجل في كثير من الحقوق والواجبات ، ويفرض عليها واجبات وطنية وحقوقا اجتماعية كما يفرض على الرجال سواء بسواء .
ومع ذلك فإنه يقرر الفوارق الطبيعية بين الرجل والمرأة في بعض المقومات والقدرات ، لأنه لا يرضى بالفرضى والفتن وبالتعادي على الحدود المحددة لكلا الجنسين لأن كلا في دائرة تخصصه ، لهذا قرر الإسلام أن البيت هو الوطن الصغير والبلاد هي الوطن الكبير أما الوطن الصغير فيربى فيه الجيل الجديد وشباب المستقبل فيحتم على المرأة الاهتمام بتربية الجيل الناشء وبشؤون المنزل الداخلية أكثر من الأمور العامة وحتم على الرجل الاهتمام خارج المنزل وشؤون الدولة والأمور السياسية إلى جانب مسؤوليته المسولية الكاملة عن البيت أدبيا وماديا لأنه يفوق المرأة طبيعيا في بعض القدرات الخارجية وفي الفرص السانحة له لإدراك مجريات الأمور والتطورات في أنحاء البلاد ولا يعوقه ما يعوق النساء من بعض الموانع الطبيعية ، ولهذا يقرر دستور الإسلام هذه الفوارق الطبيعية بينما قرر بكل قوة وصراخة المساواة في جميع الحقوق البشرية والإنسانية بين الرجل والمرأة ، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف .
وللرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما، وللرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ، ثم يقول معلنا تفاوتا القدرات والخبرة والقوى الطبيعية بين الجنسين في قوله ، وللرجال عليهن درجة هذا ليس في الإنسانية ولا في الحقوق البشرية كما يتوهم البعض أو يزعم ولهذا قرر الإسلام أن المسؤولية الأولى في شؤون الأمة والدولة والشؤون المنزلية والعائلية على عائق الرجل لأعلى المرأة فهو رقيب على شؤون البيت وهو المسؤول الأول إمام العدالة والقضاء والحاكم في شؤون الأولاد والعائلة والمنزل لأنه لا بد لكل دستور من تحديد المسؤولية في مثل هذه الأمور .
حدد الإسلام هذه المسؤولية وألقاها على عائق الرجل فقال : الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهلها أن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا .
فما أبلغ هذه الآية الكريمة في تقرير المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق الإنسانية والأخذ بيدها إلى مرتبة الرجل في هذا المضمار حتى اعتبرها مواطنة كاملة وإذا خيف بينها الشقاق والفرقة فلا للرجل إكراهها على ما لا ترضاه بل تنتقل المسؤولية إلى قاعدة التحكيم بينهما كما صرح به في آخر الآية بقوله : فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، ثم يتوجه الإسلام إلى إقرار الأمن والطمأنينة في البلاد وقمع الفتن والشهوات البهيمية ومنع الفوضى وانحلال الأخلاق لأن الإسلام مجموع قوانين فطرية فطرة الله التي فطر الناس عليها – فلا يوجد نزاع ما بين طبيعة العالم والإنسان وبين قوانين الإسلام ومبادئه وإن مهمته الرئيسية حث الناس على احترام الفطرة الإنسانية والطبعية العالمية ، وإبعاد هو عن مخالفيها ثم تنبيه العقول الضعيفة إلى مبادئ النواميس الطبيعية ودواعيها فينظم الأمور ويرتبها حفظا على النظام وتجنبا للفوضى ومن الطبيعي الإنساني القوة الجاذبية بين جنس البشر – الرجال والمرأة – فينشأ عن الاختلاط غير المشروع وبلا نظام بين الرجال والنساء فساد الأخلاق وسوء النظام سيما في العناصر الفاسدة ذات الاعوجاج الخلقي والانحطاط الثقافي لسوء التربية أو قلتها أو عدمها .
لهذا حرم الإسلام على الرجال الاختلاط مع الأجنبيات إلا عند الضرورة كما حرم على النساء التبرج والسفور والاختلاط المشبوه مع الأجانب ليفرغ كل لعمله المخصص له ويستقر في مكانة المعين له ولأداء مهمته الخاصة المحدودة وبهذا يتم الأمن وتجري لوظائف والمهمات في الداخل والخارج في استقرار وهدوء ويحول دون التهترات والفوضى وبين دستور الإسلام آدابا هي جزء من الفطرة التي فطر الناس عليها لصيانة الأعراض فيشير القرآن إلى ذلك قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم أن الله خبير بما يصنعون ، : وقل للمؤمنين يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهنأو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (النور ) .
والمرأة في نظر الإسلام ليست أقل في وطنيتها وجهادها في سبيل الأمة والوطن والإسلام من الرجل كل فيما يخصه من أعداد الجيل الجديد وشباب المستقبل من دائرة البيت ومن السهر على التدابير المنزلية ، والعائلية بما يتفق ومصلحة الوطن والأمة حينما يعمل الرجل في ميدان الجهاد وساحة المعارك في خارج البيت أو خارج الوطن وكذلك يجب على المرأة أن تتمرن على إسعاف الجرحى من المحاربين والمرضى من أبناء الوطن وبناته بطريقة جائزة بمقتضى دستور الإسلام لذا نرى السيدات المجاهدات يشتركن على قدم المساواة في خدمة الوطن والملة وفي ميدان الجهاد والكفاح مع الرجال ولكن كل في دائرة تخصصه تجنبا للفوضى وتسهيلا للأمور وتذليلا للعقبات ورأفة بالمجاهدين والمجاهدات فإن السيدات الباسلات المكافحات لأسوة حسنة في العديد من صواحب رسول الله وهن كثيرات ولا سيما الخنساء التي أعدت أبناءها الأربعة للنزول إلى ميدان القتال مع كامل العدة والقوة فكانت تنتظر نتيجة رحى الحرب فلما وصل إليها خبر مقتل هؤلاء الأبناء الأربعة في ساحة القتال حمدت الله تعالى على هذا الشرف العظيم .