الدعوة – 1-سبتمبر-1980 م – دلهي – الهند
( 4 ) نظرة الإسلام إلى السلام العالمي .
إن السلام في نظر الإسلام عبارة عن نظرية إنسانية متكاملة ، وبعبارة أخرى احترام النوع الإنساني معاديا كان أو مناصرا ، ضعيفا أو قويا ، متحضرا كان أو بدويا ، أبيض كان أو أسود ، أن هذه النظرية الإنسانية المتكاملة تنظر إلى العلاقة بين الإنسان والإنسان على أن بينهما صلة ونسبا ، مهما اختلفت الأجناس والألوان والأصقاع ، أن هذا النسب هو ” الإنسانية” وتلك الصلة هو “كلكم من آدم وآدم من تراب” .
وأما هذه النظرية فلا تعتبر العداء الذي يقوم بين إنسان وإنسان عداء طبيعيا أو غريزيا وإنما هو عداء طارئ بسهب اختلافات تقوم على وجهة نظر كلا الفردين أو الفريقين ، وإن كلمة يتنازع عليها العالم كله فإن الكتلتين العظيمتين المتنازعتين في العالم الحاضر يعتمد كل منهما في الدعاية ضد الأخرى على أساس إنها هي وحدها – لا الأخرى – حامية السلام والعاملة لتوطيد أركانه والناس في تفكيرهم الخاص ينقسمون إلى قسمين : قسم يشايع إحدى الكتلتين في فهم معنى السلام على أنه دفع لخطر الحروب ، وآخر يشايع الكتلة الثانية في أن السلام هو الحرب من أجل إقرار السلام في العالم ونشر الأمن في الجنس البشري .
وإذا نظرنا بعين التحقيق والإنصاف نجد أن كلا من الكتلتين المتنازعتين الكبيرتين يريد بلفظ السلام حماية مصالحها الخاصة وأطماعه الذاتية ، وتفهم السلام على أنه الدفاع عن كيانها ومصالحها ومستقبلها بقطع النظر عن أية اعتبارات أخرى تخص الكتلة الأخرى ، هذا هو السلام في ذهن المجتمع الذي يعيش في القرن العشرين ، هذا هو السلام الذي تهدف إليه كل كتلة من الكتل البشرية اليوم على أنقاض كتلة أخرى ، ومن هنا نستطيع أن نعلم أن هذا النوع من السلام المزعوم لا يتحقق به السلم العالمي و الأمن الدولي الحقيقيين ، بل يؤدي بالمجتمع الإنساني إلى دمار وفناء ويملأ الأرض خرابا وفتكا ، وينشر في البر والبحر فتنة وفسادا .
وإذا أرجعنا البصر كرتين إلى تاريخ الزمن الذي تعلم فيه مقاليد الحكم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون وإلى أساس نظرتهم إلى معنى السلام الحقيقي – لما غاب عن الأذهان ذلك الفهم الدقيق ، فلو تحقق السلام في العالم بالمعنى الذي يريده الإسلام بهذه الكلمة لسار بدون شك ، سلام وأقصى كامل في البشرية كلها ، ومن ميزات نظرة الإسلام تجاه السلام العالمي أنها تحكم في أمر من الأمور تبعا لما ترضى عنه النظرية الإنسانية المتكاملة ، لا تبعا لما تقتضيه الأهواء والمصالح الخاصة ، وأن الفرد ليس جزء مهملا في سبيل المجموع وأن المجموع ليس مهملا في سبيل الفرد وإنما هو فلك منسق دقيق يهب فيه الفرد كل إمكانياته للنوع البشري عامة ، فالوطن في هذه النظرية هو المجتمع الصغير للنوع الإنساني والبشرية هي المجتمع الكبير ، ومن طبيعة هذه النظرية فصل الحكم عن الفرد وربطه بالمجموع في القالب الاجتماعي الذي يرضى عنه المجموع فيكون الأمر في الفصل “شورى بينهم” ولا يرضى المجتمع الذي يصوره الإسلام بأن يكون فيه جاهل إلا ويأخذ بيده الفرد العالم ليوصله إلى ميدان العلم والتقدم ، أو فقير فيه إلا ويأخذ الفرد الغني بيده إلى شاطئ الأمان ومن طبيعة هذا المجتمع أن ينتفي منه الجهل والجمود والحقد والفساد .
وفضلا عن ذلك فماذا كان القتال في الجاهلية الغابرة لأجل الدفاع عن القبيلة أو عن فرد من أسرتها ولحفظ كرامتها وعرضها كلما يتعرض فرد من قبيلة أو من أسرة لانتهاك حرمته وكرامته وعرضه ثار جميع أفرادها علة المنتهك للحرامات والمعتدى على سيادتها وكرامتها ، فلا يكون لأحد منهم في معظم الأحيان والحالات ، هدف ولا مطلب إلا حفظ الكرامة الإنسانية وإقامة العدالة الاجتماعية والدفاع عن حرية الأفراد والجماعات ، ولا يتسرب إلى قلوبهم إشعال نار الحروب أو بث الفتن أو إيثار الصالح الذاتية والأغراض الشخصية ، وكم من حروب تنشب اليوم لمصلحة شخص واحد ولإتمام هوى نفس واحدة ، مع أن حرب ساعة في العالم الحاضر تعادل حروب سنين في العصر الماضي ، ومن ناحية أخرى أن الجاهليين الأولين كانوا لا يفخرون بارتكاب الجرائم الوضيعة فأما الآن فكم من شنيعة خلقية وجرائم إنسانية انتشرت رسميا في البلاد فصارت مبعث الافتخار ورمز التمدن ، فهذه هي جاهلية أدهى وأمر ، وأن الطريق الوحيد نحو المشاكل المحيطة بالعالم الإنساني اليوم هو الرجوع إلى فطرة الإنسان التي تأبى إن يخضع لأحد مثله أو يطيع للاستعباد الاستغلال إلا لخالق الإنسانية وعقلها وقواها .