الدعوة – 15-سبتمبر-1981 م – دلهي – الهند
(6) تزكية النفوس
إن النفس الإنسانية لمطبوعة على أصناف من اللؤم ومستعدة لقبول ما يوحي به هواها وشهواتها وإلى هذا يشير القرآن الكريم في سورة يوسف بقوله “وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي” (53) ، وإذا تصفحنا صفحات التشريعات السماوية أو الأرضية الصالحة نجد أن أول أهدافها تطهير النفس من أهوائها وتزكيتها من نزعات الشر و الملكة فيها لأن المجتمع لا يتكون إلا بأفراد قلة فلا يصبح ذلك المجتمع صالحا إلا إذا كان أصحابه صالحين والفرد لا يكون صالحا حتى يكون أعظم أهدافه وأسمى أغراضه العدل والإنصاف وحب الخير للآخرين والرغبة في إبهاض الأمة والمساعدة على الحياة الكريمة لبلاده ولقومه وللنوع الإنساني كله .
ويقول الله تعالى في كتابه الحكيم مبينا طبيعة النفس وضرورة اتقاء شرورها وتزكيتها للفلاح في الدارين “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” (الشمس : 7) ويقول أيضا في معرض الإشارة إلى غرض بعثة النبي صلى الله عليه وسلم “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين” (الجمعة : 2) فالإنسان في حاجة ماسة إلى إرادة قوية تعصمه من زلل و تحول بينه وبين الخضوع لما تملي عليه نفسه الأمارة بالسوء ، ولما قيل لعمر بن عبد العزيز أي الجهاد أفضل ؟ قال جهادك هواك ، فإن الشجاع الباسل قد يتغلب على أقرانه ولكنه لا يستطيع أن يرد هوى من أهواء نفسه ، وفي ذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام “ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” ، إن الفساد الاجتماعي والانحلال الخلقي يسري في هذا الزمان إلى كل ناحية من نواحي الحياة البشرية وفي كل بلد من البلدان وفي كل طبقة من الشعوب والأمم وساءت الحال في العالم الإنساني اليوم بقدر أن امتلأت أو تكاد قلوب المصلحة الإنسانية عامة يأسا من صلاح الأحوال و استئصال أسباب الفساد الاجتماعي والانحلال الأخلاقي .
وقد آن الأوان لأن يفهم زعماء الإصلاح وقادة العالم أنه لا صلاح لهذا النوع الإنساني ولا حل لهذه المشاكل الاجتماعية والجرائم الخلقية إلا بتنمية الطاقة الروحية والوازع الديني في الأفراد والجماعات وهذا هو الذي يزكي النفوس ويطهر القلوب ويقيم حارسا على كل إنسان من نفسه لأن القوانين تخادع وتغالب ويمكن الإفلات من سلطانها إذا لم تكن الروح الدينية ووازع الضمير مسيطرا على الإنسان ، وخشية الرب الذي خلقه ورزقه وتملأ قلبه ، والاستحياء من أن يراه عاصيا له خارجا على أمره والإسلام قد وضع حلا جذريا لهذه المعضلات النفسية والخلقية والاجتماعية عن طريق تقوية الوازع الديني في القلوب والإيمان بالله والأخوة فتصادر نوازع الفساد والشرور وتغرس بذور الخير والصلاح في النفوس .
وجدير بالذكر هنا – أن المعارف المشوهة أو الناقصة وكذلك الصور الظاهرية التي يعرفها كثير من الناس عن تعاليم الأديان الحقة قد ساعدت على إبعاد الناس عن الروح الديني سيما في العناصر الفاسدة والقلوب الضعيفة و العقول الجامدة ، كما قيل إن المعرفة الناقصة المشوهة شر من الجهل ولهذا يدعو الإسلام النوع الإنساني كله إلى معرفة مبادئه وأحكامه من كتابه المقدس السماوي ، ومن بيان رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم معرفة صحيحة ويرغبهم إلى إدراك ما فيه من خير وجمال باستعمال العقول والأفكار الموهوبة لكل إنسان لأنهم إذا عرفوه أحبوه وإذا أحبوه أجلوه وعظموه فيحرصون على أن يصدروا في أفعالهم وأحوالهم عن تعاليمه القويمة ومبادئه الصالحة لكل زمان ومكان .
ويحذر الإسلام الناس كافة من الهروب وراء الأوهام والأضاليل والتقاليد العمياء ، ويصف القرآن هذه الفئة من الناس وصفا بديعا لكل من له قلب و ألقى السمع :” ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها أولئك كالأنعام بل هو أضل” (الأعراف : 179) .