الخليج اليوم – قضايا إسلامية الخميس 17-يوليو-1986 م
من يمن الطالع أن يصادف موسم الحج هذا العام 1406هـ مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لصدور جريدة “الخليج اليوم” الغراء ، ومنذ أول عدد خرج إلى حيز الوجود كانت تبذل أقصى جهودها لتكون منبرا عاما ونافعا لقضايا العرب والمسلمين ومن هذا المنطلق قد خصصت الجريدة قسما ، خاصا للشؤون الدينية وفتحت بابا خاصا للقضايا الإسلامية في إعدادها اليومية كما خصصت ملحقا أسبوعيا كل يوم خميس لمعالجة قضايا الإسلام والمسلمين ، دينيا وثقافيا وتاريخيا واقتصاديا وسياسيا واختباريا وغيره لكي يتحقق الهدف المنشود من وراء هذه الجهود بإذنه تعالى في كل المناسبات الإسلامية تتناول صفحة “القضايا الإسلامية” شتى المسائل والأحكام المتعلقة بها لئلا تفوت عن أذهان القراء الكرام ذكريات وميزات وملابسات تلك المناسبات مع التذكير بالواجبات واللوازم المطلوب منهم القيام بها في تلك المناسبات الخالدة .
وعلى سبيل المثال – قدمنا طوال أيام شهر رمضان المبارك الماضي صفحات رمضانية كاملة مع بيان كل ما يلزم القارئ المسلم من معلومات ومسائل وأحكام عن رمضان وصيامه وقيامه وفضائله وعباداته وذكرياته ودروسه حتى صارت تلك الصفحات بمثابة ملف كامل وجامع عن هذاه المناسبة الإسلامية العظيمة والآن تطل على العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها مناسبة دينية وتاريخية هامة تحمل في طياتها أعظم الذكريات وتطلب من أمة الإسلام أكبر الاهتمام بالقيام بواجباتها وحقوقها وملتزماتها كل في دائرة حدوده وتخصصه واستطاعته ، إلا وهو موسم الحج المبارك ويسرنا بل ويسعدنا أن نقدم على صفحات القضايا الإسلامية خلال الأسابيع الباقية لحلول أيام الحج عرضا ميسرا موجزا لمناسك فريضة الحج ، وأحكامه وأركانه وواجباته ليكون نبراسا وتيسيرا لمن يريد أداء الحج هذا العالم أو في أي عام يستطيع إليه سبيلا والله ولي التوفيق .
الحج لغة وشرعا
إن فعل الحج يحج من باب كتب يكتب بمعنى قصد وزار وتوجه ثم غلب استعماله لغة في زيارة الأماكن المقدسة واسم الفاعل منه : الحاج وجمعه : الحجاج وهذا أصله في اللغة اشتقاقا واستعمالا ثم قصر استعماله لدى المسلمين على قصد الكعبة للحج والعمرة ومن هنا سمى الشهر الثاني عشر من الشهور القمرية “ذو الحجة” بالكسر وهي اسم المرة من فعل : حج يحج .
وأما الحج شرعا : فهو قصد بيت الله الحرام بمكة المكرمة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة وطواف الكعبة وأداء بعض المناسك الواجبة بكيفية مخصوصة وبنية مخصوصة وفي أوقات مخصوصة .
أدلة وجوب الحج
قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه :”إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين” (آل عمران : 97) .
وقال أيضا :”وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ، ذلك ومن يعظم حرمات لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا قول الزور” (الحج : 27-30) .
وقد جعل الله عز وجل ورسوله الكريم الحج أحد أركان الإسلام بنص قوله تعالى :”ولله على الناس حج البيت” وبالأحاديث النبوية العديدة تثبت كونه ركنا أساسيا وهاما من أركان الإسلام ودعائمه القوية الوطيدة ومنها ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان” (متفق عليه) ، وفي رواية عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام” (متفق عليه).
وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل ؟ وقال : إيمان بالله ورسوله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : الجهاد في سبيل الله ، قيل : ثم ماذا ؟ قال : حج مبرور ، (متفق عليه) .
وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : من قدر على الحج فتركه فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا ، وروى سعيد في سننه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال :” لقد هممت أن ابعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية ، ما هو بمسلمين ما بمسلمين” .
وجاء في رواية للإمام مسلم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في إحدى خطبه :”أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج فحجوا” (مسلم) ووردت أحاديث صحيحة كثيرة في فضائل الحج ومنها قوله صلى الله عليه وسلم :”من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه” (متفق عليه) وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد ؟ فقال :”لكن أفضل الجهاد حج مبرور” (البخاري) والمراد بالمبرور : الحج الذي لا يرتكب صاحبه فيه معصية .
وفي رواية : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” (متفق عليه).
وورد في رواية لعائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة” (رواه مسلم) .
أدلة وجوب العمرة
لقد وردت إشارات واضحة وأدلة قاطعة على وجوب العمرة على الناس ومنها قوله تعالى : “وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ، فمن كان مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب” (البقرة : 196) وقال تعالى أيضا :”إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم” (البقرة : 158) .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما” (متفق عليه) وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي” (متفق عليه) .
ومن الأحاديث الدالة على وجوب العمرة ما روى عن لقيط بن عامر رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن ، قال : “حج عن أبيك واعتمر” (رواه أبو داود والترمذي) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابه لسؤال عن الإسلام :”الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتعتمر تغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان” (أخرجه ابن خزيمة والدار قطني بإسناد صحيح) وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله هل على النساء من جهاد ؟ قال :”عليهن جهاد لا قتال فيه الحج المبرور” (أخرجه أحمد وابن ماجة) .
لا يجب الحج والعمرة إلا مرة واحدة في العمر
قد فرض الله سبجانه وتعالى واجبات وعبادات قولية وفعلية واعتقادية على عباده المؤمنين بمقتضى إرداته وحكمته ومشيئته ، ليدخلهم في زمرة المتقين الصالحين الذين أنعم عليهم وأعد لهم جنات النعيم في دار القرار ومنها عبادات وأعمال وواجبات يؤديها المؤمن عدة مرات معينة يوميا في حياته مثل الصلوات المكتوبة وسنويا كفريضة صيام رمضان وفريضة أداء زكاة المال عندما يكمل النصاب في فترات السنة تجارة وزراعة وغيرهما .
وأما فريضة الحج والعمرة لمن تحقق فيه شروط وجوبهما فلا يجب القيام بهما إلا مرة واحدة في عمره كله ويمكن أن يطلق على هذه الفريضة بأنها “فريضة عمرية” نسبة إلى عمر الإنسان ، كما يجوز إطلاق تعبير :”الفريضة السنوية” على صوم رمضان وعلى الصلاة :”الفريضة اليومية” ومن الأدلة الواردة على وجوبية الحج والعمرة مرة واحدة فقط في عمر الإنسان الأحاديث التالية :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :”الحج مرة فمن زاد فهو تطوع” . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :”يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا” فقال رجل : أ كل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لو قلت نعم لوجبت ، ولما استطعتم” ثم قال : ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه” (رواه مسلم) .
وأن هذا الأمر من حيث ضيوف الرحمن في ملابس الإحرام الوجوبية المطلقة كركن من أركان الإسلام مثل الصلاة والزكاة والصيام ، وأما من حيث العبادة المشتملة على فضائل والحسنات والبركات فإن الحج والعمرة من أفضل الأعمال كلما يستطيع للإنسان إليهما سبيلا كما يسن الإكثار منهما بدون إخلال بواجبات وحقوق والتزامات أهم وألزم من أداء الواجب يلزم تقديمه على ألسنة إذا تعذر الجمع بينهما ، وينبغي للذين يذهبون للحج أو العمرة سنويا تكرارا ومرارا ، من بلاد نائية بمصاريف باهظة ، أن يضعوا في عين الاعتبار أولويات واجباتهم والتزاماتهم وحقوقهم الدينية نحو نفسه وأسرته وأقاربه وجيرانه وأهل بلده ومجتمعه الذي له عليهم حقوق وواجبات يفرضها الإسلام .
شروط وجوب الحج والعمرة
عرفنا من الأدلة الشرعية الثابتة بالقرآن والسنة أن الحج والعمرة فرض عين مرة واحدة في العمر على كل مسلم ومسلمة إذا تحققت فيه الشروط التالية :
1 – الإسلام
2 – العقل
3 – البلوغ
4 – الاستطاعة
بدليل قوله تعالى :”ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا” ولقوله أيضا :”لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” ، وأما الاستطاعة المشروطة في فرضية الحج والعمرة فهي القدرة على أداء المناسك المطلوبة بيسر دون مشقة غير مطاقة وتتحقق هذه الاستطاعة كما بينها علماء الفقه الإسلامي وأيده العقل السليم والفهم الواعي للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها بالأمور التالية :
أولا : الاستطاعة البدنية حيث تكون صحة القاصد للحج أو العمرة كافية للسفر ذهابا وإيابا وللقيام بالمناسك اللازمة والتنقلات والرحلات المطلوبة لأدائها وسلامة جسمه تسمح لمواجهة الأجواء والأحوال السائدة في مشاعر الحج وأماكنها بحيث لا تعرض نفسه للإصابة بأمراض شديدة تؤدي إلى تدهور حصي يمنعه عن القيام مما لا بد منه لإتمام المناسك وذلك بشهادة طبيب خبير عادل مخلص أو بتجاربه الشخصية الأكيدة فإذن أن سلامة البدن من الآفات المانعة من أداء المناسك اللازمة من شروط الاستطاعة .
ثانيا : الاستطاعة المالية أن وجود المال الكافي لنفقات سفره في الوسائل المناسبة المتوفرة في بلده وفي موسم الحج للذهاب والعودة وللإقامة في مكة وسائر الأماكن المطلوبة في منى وعرفات ومزدلفة مع نفقات السكن والأكل والشرب وسائر مستلزمات الحياة أثناء السفر والإقامة والعودة .
ثالثا : وجود المال الكافي لنفقات من تلزم الحاج نفقتهم من الأهل والعيال والخدم وغيرهم ، من حين سفره إلى عودته ، حسب ما جرت العادة في عائلته ومجتمعه من متطلبات المعيشة اللازمة بدون زيادة ونقصان بسبب سفره .
رابعا : أداء الديون وحقوق العباد وينبغي أن يؤدي ما عليه من الدين ومال الغير قبل سفره يجب أن تكون نفقاته للحج والعمرة من مال حلال وموارد طيبة وقد روى الإمام الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى : “لبيك اللهم لبيك” ناداه مناد من السماء : “لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال ، وحجك مبرور غير مأزور ، وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى :”لبيك اللهم لبيك” ناداه مناد من السماء : لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام ، وحجك غير مبرور” (رواه الدار قطني) .
ضرورة التعفف عن سؤال الناس
وينبغي لكل مسلم غيور ينوي التوجه إلى الحج أو العمرة أن الحج والعمرة ما فرضه الله ورسوله عليه إلا إذا كان قادرا على أدائه من ماله الخاص ومن كسب يده وعرق جبينه أو المال الذي ورثه شرعيا وصار في ملكه وذمته وأما الإقدام على السفر للحج أو العمرة بجمع التبرعات من أيدي الناس مهما كانوا أصدقاء خلصاء أو أقرباء أو أسخياء فلا يلزمه الإسلام على ذلك بل ينصح كل حاج ومعتمر للاستغناء عما في أيدي الناس والتعفف عن سؤالهم .
وأن الإعلان عن سفره للحج في الجرائد والصحف ويقصد من ورائه الهدايا والتبرعات التي تنهال عليه بطريقة غير مباشرة من عامة الناس وسذجة القوم ، إنما هو من أبعد العادات عن خلوص النية في التقرب إلى الله من هذا العمل الجليل وفيه شوائب الرياء والسمعة المفاخرة وجمع حطام الدنيا وقال النبي صلى الله عليه وسلم :”ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله ، ولا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيام وليس في وجهه مزعة لحم” ، وأن هذا النوع من الحج والحجاج وصمة عار على جبين أولئك الذين يحجون بنفقة طيبة وبكسب يده وبعرق جبينه مخلصين له الدين ، كما أن أولئك يشوهون صورة هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة أمام السفهاء والبسطاء وخاصة الأعداء المتربصين ، إذ تتاح لهم الفرصة لتوجيه اتهامات ظالمة نحو الحجاج عامة بدون تفريق حيث يندس بينهم طلاب المكاسب المادية وعشاق الألقاب الإعلانية وأصحاب الاكتتاب وجمع التبرعات والشحاذون الدهماء ، فليتق الله هؤلاء وأولئك في هذا الموسم الكريم النبيل وليستنكف عن الاستغلال الفظيع لأيام الحج العظيم .
وخامسا : أمن الطريق والراحلة في الذهاب والعودة وزوال الموانع الحسية المتوقعة مصل نشوب الحروب وإغلاق الحدود وكذلك من الأوبئة المتفشية المتعدية والكوارث الطبيعية الملعنة .