في رحاب القمة الإسلامية (2)
فلتكن قمة خير الأمم خير القمم !
الخليج اليوم – قضايا إسلامية الخميس 22-يناير-1987
(دراسة وتحقيق)
إن الدائرة العربية هي السقف الأعلى لإطار العالم الإسلامي الواسع ، وأن وحدة الأمة العربية قوة للعالم الإسلامي كله ، ويتبين دور الوحدة العربية في خدمة القضايا الإسلامية وتوحيد صفوف المسلمين من خلال استماتة الاستعمار والصهيونية لإضعاف المنطقة العربية وتقسيم أراضيها وتفتيت أوصالها وتفريق شملها ونهب ثرواتها ، ومنع نهضاتها لما كان في السيطرة على العالم العربي الذي هو بمثابة القلب النابض للعالم الإسلامي كله ، فتحا على مقادير الأمة الإسلامية كلها .
يرى الجميع في مشارق الأرض ومغاربها ، مظاهر التخلف والتمزق وآثار التشتت الفكري والتفرق المذهبيبين أوصال الأمة العربية الإسلامية في شتى مجالات الحياة اليومية سواء في المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط أو في المنطقة الإسلامية من المحيط إلى المحيط ، ويتساءل البعض يتعجب واستغراب والآخر بتهكم واستهزاء عن الأسباب المباشرة أو غير المباشرة لهذه الحالة العجيبة بين أفراد وجماعات ودول أمة الوحدة الدينية والحضارية والثقافية اللغوية والمصيرية والتاريخية بحيث تربط بين أجزاء هذا البنيان وأوصال ذلك الكيان بالعروة الوثقى من رابطة العقيدة الإسلامية والأخوة الإيمانية والحضارية والإنسانية المثالية .
ومن بين دارسي هذه الظاهرة الغريبة والعجيبة ظائفة تعزو هذا الوضع إلى التخلف الفكري الذي ساد العرب والمسلمون منذ عصور الانحطاط بعد أن صاروا عرضة لهجمات شرسة من الخارج وهزات حرجة من الداخل ، بينما تعزوه طائفة أخرى ، إلى التبلد العقلي أو إلى التأخر العلمي والتقني ، وهناك من لا يستطيع نفهم شيئ تجاه هذه الحالة المؤسفة المحيطة بأمة عريقة ذات حضارة إنسانية نبيلة ، وحاملة رسالة إلهية سامية .
حلقات المخطط الاستعماري والصهيوني
وهناك عدد قليل من المفكرين والدارسين يعد بالأصابع ينظرون إلى الوراء لمعرفة الخلفيات الأساسية لهذا الموقف لكي يفهموا الأسباب الحقيقية لهذا الوضع العجيب ، فعرفوا بثاقب فكرهم وطول مراسهم وعمق فهمهم لمجريات الأمور في العالم ، بعيدا عن التأثر بالسطحيات والتزيفات الإعلامية والتضليلات الفكرية والتعمية الماكرة ، عرفوا أن هناك حلقات مفرغة من المخطط الاستعماري والصهيوني في تاريخ العرب الحديث ، ضد الوطن العربي لتمزيق أوصال الأمة العربية وتقسيم وطنها الواسع الكبير ، الغنى العريق بكل المعايير والمقاييس بين دول المستعمرين والصهاينة .
الحلقة الأولى من الغدر والخيانة
ولقد تم أحكام الحلقة الأولى من هذه السلسلة عقب الحرب العالمية الأولى أي حوالي عام 1916م ، بعد أن ضمنت دول الحلفاء وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا ، وقوف العرب إلى جانبها بعد إعطائها لهم وعودا كاذبة ماكرة للاستقلال والحرية وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وخرج منها الحلفاء منتصرين ، أبرمت بريطانيا وفرنسا اتفاقية غادرة معروفا باسم اتفاقية سايكس بيكو للتآمر على تقسيم الوطن العربي بينهما فنالت بريطانيا وفرنسا حصتها من هذا الوطن ظلما وعذرا وبهتانا .
ومنذ ذلك الحين خضعت الأفكار العربية لإحدى الدول الاستعمارية الغربية ، واستمرت هذه الحالة إلى منتصف القرن العشرين حيث نال بعض البلاد العربية الاستغلال السياسي الصوري على الرغم من استمرار الاستعمار الفكري والثقافي والاقتصادي تحت مختلف أنواع الشعارات الخلابة ، وبفعل الألاعيب السياسية المعروفة لدى ساسة الغرب ، وما زالت مفاتيح أسرار تلك الألاعيب في طي الكتمان حتى في عصرنا الذي تفتح فيه الكواكب والنجوم وتحطم فيه الذرات والنيترون .
الحلقة الثانية أدهى وأمر
وكان من المفروض والمطلوب أيضا بعد تلك المحنة والدروس القاسية ، من أيدي الاستعمار الغادر ، أن يتحد العرب بعد تجربة الحرب الأولى لكي يفتحوا صفحة جديدة في تاريخهم المجيد ، ولكن الاستعمار الغربي البريطاني والفرنسي والإيطالي أيضا قد استمر في نهب خيرات الوطن العبى ، وامتصاص ثرواتهم ، والتغلغل إلى صفوفهم .
وكان الاستعمار الغربي وراءه الصهيونية العالمية المتربصة ينتظر بفارغ الصبر ، لاستكمال خيوط المؤامرة الدنسة ضد الأمة العربية والوطن العربي فأصدر وزير خارجية بريطانيا العظمى التي ما كانت الشمس تغيب عليها – على حد التعبير الشائع حينذاك – “وعد بلفور” عام 1917م ، وكان يهدف ذلك الوعد المشئوم إهداء فلسطين التي كانت تحت الإنتاب البريطاني آنذاك ، لليهود لإقامة دولتهم عليها ، واستكملت فصول تلك المؤامرة عام 1947م حيث أصدرت الأمم المتحدة بضغط من الصهيونية العالمية ومن الدول الاستعمارية قرار تقسيم فلسطين .
ثم حصلت النكبة الكبرى عام 1948م حيث تشرد شعب فلسطين في شتى أقطار الوطن العربي المجاورة واستولى اليهود على ممتلكات العرب وثرواتهم بقوة السلاح ظلما وعدوانا .
الحلقة الثالثة المفرغة
ومنذ إعلان قيام دولة الصهاينة باسم إسرائيل بدأت الدول الاستعمارية غربيها وشرقيها وكل العناصر العدائية للعرب والمسلمين ، تمد تلك الدولة المفتعلة المشوبة بقوة السلاح والمال ، وبكيد الاستعمار ظلما وعدوانا ، بكل أسباب القوة ومكانتها من التفوق العسكري على الدول العربية مجتمعة لا منفردة ن لأن المعادلة الصهيونية الاستعمارية ، إسرائيل والعرب من حيث المجموع وبسبب هذه المعادلة العالمية الخادعة ، وبفعل تلك الظروف المفاجأة تمكنت دولة الصهاينة إسرائيل من شن اعتداءات متتالية على الدول العربية عام 1956م ثم عام 1967م وتمكنت من احتلال أراضي عربية جديدة لدول عربية عديدة في وقت واحد وبهذا ازدادت أطماع وأحلام ومخططات اليهود .
أوهام المعادلة في الميزان العسكري
إذا فهمنا فهما صحيا ودقيقا من واقع الحقائق والأرقام ومن خلفيات السياسات الدولية المعلنة وغير المعلنة أن سياسة الغرب على حد سواء هي تحقيق معادلة عسكرية وسياسية بين إسرائيل وحدها في كفه والعرب من حيث المجموع من الخليج إلى المحيط في كفة أخرى ، ولكن هذه هي السياسة المكشوفة الواردة في التصريحات والبيانات المعلنة والمذاعة وقد فهمها ووعاها كل من له عقل سليم وفكر منطقي صحيح في كل أرجاء العامل ، ومن ناحية أخرى أن هناك سياسة خفية ولكنها أفصح من الخفاء وأظهر من الشمس للذين لهم عيون مجردة من النظرات الصناعية أو الغطاءات المستوردة الخلابة وتهدف تلك السياسة إلى جعل كفة اليهود أقوى وأرجح في الميزان العسكري بكل المعايير !
ترجيح كفة إسرائيل
ولا يخفى على من له أدنى إلمام بمجريات الأمور في عالم السياسة اليوم ، وبمخططات الدول الاستعمارية القديمة والحديثة في العلن وفي الخفاء ووراء الكواليس في الهيئات الدولية والاجتماعية العالمية تحت شتى أنواع الشعارات والنعرات لا يخفى عليه أن الاستعمار الغربي بصفة خاصة تمد جسور من الإمدادات العسكرية والمعونات المادية والرؤوس المفكرة إلى إسرائيل كلما لاح في الأفق اتجاه نحو رجحان كفة الميزان إلى جانب العرب .
مؤامرات تمزيق التضامن العربي
وعندما شهد عقد الخمسينات من هذا القرن حالة من الوعي وبوادر الوحدة وملامح التضامن في الساحة العربية انزعجت إسرائيل والدول القائمة وراءها ، لأن تلك الحالة تعتبر خطوة صوب تقليل الفوارق في ميزان القوة بين العرب واليهود ، ومحاولة نحو التقدم والازدهار في الوطن العربي فقد عمدت الدول الاستعمارية والحركة الصهيونية العالمية إلى تدمير تلك الصحوة أو بوادر الوحدة والنهضة في صفوف العرب وبث بذور الفرقة والتمزق بين البلاد العربية تحت شعارات مختلفة وأهداف شتى فتمكنت الصهيونية والقوى الاستعمارية من استثمار تلك الحالة الفوضوية في الوطن العربي وإشعال نار الفتنة فيما بين الشقيقات ومن ثم تمكنت تلك القوى المعادية للنهضة العربية من السيطرة على صائر المنطقة العربية كلها بدون قتال وبلا استفزاز علني ، ومن التحكم في مقدراتها ومصادرها المادية لصالح الدول الاستعمارية والصهيونية ومن توسيع هوة الخلافات بين العرب والأشقاء .
ومن العجب العجاب أن بعض الدول العربية تحاول تحقيق معادلة في الميزان العسكري والاقتصادي والتكنولوجي بين العرب واليهود ، بينما يظلون متفرقين ويركضون وراء أوهام تحقيق تلك المعادلة بمناصرة ومساعدة من الدول والهيئات التي هي عين الجهات العاملة على تمزيق أوصال الأمة العربية وتقسيمها فيما بينها ولأحكام قبضتها على مقاديرها ومقدارتها ! .
وأظن أنه اتضح من هذا الاستعراض التنويع الموجز بعض معالم المخططات الاستعمارية الصهيونية لتحقيق المعادلة الجائرة بين العرب واليهود ، ولتمزيق وحدة الأمة العربية ، ولتقسيم الوطن العربي بين الدول الاستعمارية وإسرائيل في الواقع والحقيقة ولو لاح في الأفق لمعان الاستغلال السياسي وحرية الأخذ والرد في الأعراف الدولية .
وأن الهدف المنشود من هذا الاستعراض المكرر والممل في ميزان الكميات والكفيات والأحجام للكتب والصحف والمقالات والبحوث المنشورة والمقروءة في هذا الموضوع وأمثاله – هو التذكير مرة أخرى ولا أخيرة بأن العودة إلى صفحات الماضي المليئ بالأحداث والتطورات المؤلمة والنظر في الخلفيات الأساسية لوضعنا الحالي وفهم الجذور والأسباب الحقيقية له ، قد يحدث فرصة سانحة لتفتح العقول ، وتصقل القلوب ، وتشحذ الهمم ، بإذن الله سبحانه وتعالى ، نحو اتخاذ الوسائل الكفية للتخلص من هذه الحلقات المفرغة وعقدة التخلف الفكري ومركب النقص العلمي والإحساس بالهبوط التنازلي ثم تصحيح الوضع المشين بكل صدق وإخلاص وبكل ندم على ما فات وعزم على ما هو آت ويغسل كل فرد له شأن وأذن أو صوت مسموع أو رأى مقبول في مصائر هذه الأمة العظيمة عار الانبهار بسراب الخداع ولمعان المكر ، وذل التقليد لكل ما هو منسوب إلى الغرب لا إلى العرب ، وقادم من المغرب لا من المشرق كمصداق جلي لقول الن خلدون :”إن الأمم المغلوبة تقلد الأمم الغالبة فبي كل شيء ” فلتكن هذه القمة الإسلامية خير القمم لخير الأمم بعلو الهمم وسمو الذمم .