صوت الشرق سبتمبر 1964م
عرفت الهند منذ القدم مكانة العلم والتعليم ، ونفوذهما القوي في تكوين المجتمع والدولة على أسس متينة وسليمة ، واحتضنت الهند القديمة التعليم بمختلف أنواعه ، وقامت في الهند في تلك العصور الغابرة مجامع علمية عديدة اسمها “الباريشاد” ، حيث كان العلماء والفلاسفة ورجال الدين يجتمعون ليصدروا أحكامهم في كل ما يتعلق بالدين والعلم والفلسفة والقانون ، وكانت هذه المجامع بمثابة الجامعات الحديثة في العصر الحاضر ، إذ كانت تؤدي للمجتمع خدمات علمية وفنية يقوم بها التعليم الجامعي اليوم .
التعليم الأساسي
كان التعليم في الهند القديمة يستعدف تطوير شخصية الطفل عن طريق التثقيف الذهني والتدريب المهني ، لأن مقومات النجاح للأفراد والجماعات لا تتحقق إلا على الأسس الذهنية والمادية على حد سواء ، وبناء على هذه النظرية المتأصلة في أذهان رجال التعليم في الهند المستقلة وفي مقدمتهم المهاتما غاندي ووضعت الهند الجديدة الخطط والمشروعات العديدة لنشر التعليم الأساسي في جميع أنحاء البلاد ، فلا يقتصر في هذه المرحلة على الناحية النظرية فقط ، بل يشمل النواحي العملية أيضا ، لكي يتلقى التلميذ دروسا في كرامة العمل اليدوي ، والتعليم المهني حتى يصبح عضوا نافعا ف المجتمع ، وتتكون لديه هواية تنفعه ، أو حرفة تساعده في بناء مستقبل حياته بدون اتكال على وظيفة حكومية أو التكالب على مقاعد الأعمال المكتبية .
المدارس المهنية
وعلى الرغم من ارتفاع نفقات التعليم الأساسي والنقص في عدد المعلمين المدربين على أسس التربية الحديثة ، فقد انتشر التعليم الأساسي في طول البلاد وعرضها بعد الاستقلال حتى بلغ عدد المدارس المهنية في السنوات الأخيرة أكثر من 700 مدرسة ، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد في الأعوام المقبلة نظرا لإقبال الطلاب على التعليم الأساسي ، حيث بلغ عددهم الآن حولي مليوني طالب .
وقد قرر مشروع السنوات الخمس الأول في الهند تحويل مدارس التعليم الابتدائي إلى مدارس التعليم الأساسي مستهدفة تطوير شخصية التلميذ الناشء عن طريق مهنة اجتماعية مثمرة .
التعليم المجاني الإجباري
على أثر استقلال البلاد بدأت الهند تضع مشروعات واضحة المعالم للنهضة التعليمية في الشعب على اختلاف طبقاته فنص دستور الهند على أن التعليم مجاني وإجباري لجميع الأطفال بين السادسة والرابعة عشرة ، وشرعت الهند تنفيذا لهذا البرنامج في فتح المدارس الجديدة وإعداد المعلمين اللازمين لها .
وبلغت نفقات الحكومة على التعليم أكثر من مائتي مليون جنيه في العام ، وهذا الرقم يبلغ أكبر من أربعة أضعاف ما كان ينفق على التعليم قبل الاستقلال .
ونتيجة لارتفاع مستوى التعليم في المراحل الابتدائية والثانوية ازداد عدد المتقدمين لتلقي الدراسة بالمعاهد العالية والكليات الجامعية ، وكذلك ارتفعت نسبة التعليم بين الإناث بشكل ملحوظ ، بعد أن كانت منخفضة جدا نظرا لبعض الظروف والأحوال الاجتماعية .
التعليم العالي
وفي الهند اليوم أكثر من أربعين جامعة تضم 951 كلية ، منها 590 كلية مخصصة للتعليم المهني والتدريب الفني ، وهناك أيضا عدة معاهد تقوم بإعداد المعلمين اللازمين لمواجهة النشاط التعليمي المتزايد في البلاد ، هذا عدا المدارس الفنية العديدة التي أنشأت لسد حاجة حركة التصنيع القائمة في الهند الآن .
وجدير بالذكر أن حكومة الهند قد شكلت عقب استقلالها من الحكم الانجليزي لجنة برياسة الدكتور رادها كريشنان ، الرئيس الحالي لجمهورية الهند لدراسة مشكلات التعليم العالي في البلاد في ضوء التطورات الحديثة ، وقد قدمت اللجنة عدة مقترحات وتوصيات للنهوض بالتعليم الجامعي في الهند وتم الآن تنفيذ كل توصيات تلك اللجنة ومقترحاتها .
وبفضل تنفيذ هذه المقترحات وصل عدد الطلاب الجامعيين في نهاية فترة مشروع السنوات الخمس الأولى إلى 720000 طالب ، مقابل 420000 طالب قبل بدء تنفيذ برامج المشروع ، وقد استمر هذا التزايد النسبي في السنوات التالية بعد ذلك ، ومع أطوار هذه النسبة يصل العدد في أعقاب المشروع الثالث للسنوات الخمس في العام القادم إلى أكثر من مليوني طالب .
المعاهد الريفية
وكان بين توصيات اللجنة المذكورة ، إنشاء معاهد ريفية التي تعني بالزراعة والهندسة القروية والتعليم الصناعي والإشغال اليدوية إلى جانب نشر الثقافة الاجتماعية بين البالغين ومكافحة الأمية في المجتمع الريفي ، رجالا ونساء صغارا وكبارا .
معاهد الأبحاث العلمية
وتبذل الهند اهتماما بالغا في النهوض بالبحث العلمي سواء منه النظري أو التطبيقي في جميع المرافق العلمية والصحية والزراعية ، مثل معهد الأبحاث الذرية ، ومعهد أبحاث التغذية ، ومعهد شؤون المعادن والتعدين والمعامل الوطنية التي تتولى مهمة البحوث في الأدوية بجبميع أنواعها .
الطلبة الأجانب
أنشأت الهند روابط ثقافية وطيدة مع كثير من بلدان العالم عن طريق تبادل الطلبة والمعلمين ، فبينما نري عجة مئات من الطلبة الهنود يستكملون دراساتهم العليا في بلدان آسيا وأفريقيا وأوربا وأمريكا نجد الهند قد فتحت أبوابها على مصاريعها أمام الطلبة الأجانب الي يرغبون في الاغتراف من مناهلها العلمية والثقافية والفلسفية .
مجلس الهند الثقافي
ويقوم مجلس الهند للروابط الثقافية في نيودلهي ومكاتبه الإقليمية في المدن الرئيسية مثل بومباي وكلكتا ومدراس ، باستقبال الطلبة الوافدين لدي وصولهم إلى الهند ، وعمل التسهيلات والمساعدات الممكنة لإيصالهم إلى جامعاتهم أو معاهدهم المختارة ، وكذلك ينظم المجلس حلقات دراسية في الشؤون الهندية والموضوعات الشرقية في كل مركز يكون فيه عدد من الطلاب الأجانب لكي يطلعوا على ميزات ثقافات الهند وفلسفاتها وحضاراتها وعلومها وفنونها ، حتى يعودوا إلى أوطانهم مزودين بذخائر من المعلومات الجديدة وملمين بشؤون الأمم الأخرى .
وينظم المجلس أيضا معسكرات خاصة للطلبة الوافدين في المراكز السياحية والمدن التاريخية والمناطق الأثرية في الهند .
وهكذا أصبحت الجامعات الهندية ملتقى الثقافات والتقاليد والمعارف فضلا عن كونها نماذج للتعايش السلمي ، والانسجام الطائفي والالتئام الثقافي ، والتضافر القومي .