صوت الشرق يناير 1965 م
يكاد العيدان السماويان يلتقيان خلال هذه الأيام في التاريخ فعيد الميلاد المسيحي يبدأ عند الغربيين في 25 من ديسمبر ، بينما يحتفل أبناء الشرق بالعيد في 7 من يناير ، وشهر رمضان المبارك يبدأه المسلمون بالصوم في غرة شهر رمضان (ويوافق 4 من يناير) قال تعالى في القرآن الكريم :
“شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس ، وبينات من الهدى والفرقان ، فمن شهد منكم الشهر فليصمه” .
وهكذا يلتقي العيدان ، وأهل الملتين في استقبال أعيادهما وكأنهم في الأخوة الإنسانية والفيوض السماوية على ميعاد !.
شعار الهند
وأما الهند فشعارها منذ أقدم العصور “الوحدة في التنوع ” وهذه هي الظاهرة الواضحة التي يلاحظها كل من يزور هذه البلاد العريقة وهي على اختلاف أديانها وثقافاتها ولغاتها تشترك في شعور إنساني واحد ، ووطنية هندية واحدة وتظهر آثار تلك الوحدة المشتركة في الأعياد المناسبات الدينية والوطنية .
وفي مستهل هذا العام تحتفل الهند بعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام وشهر رمضان المعظم معا .. وعيد الميلاد الذي يطلق عليه اسم “الكريسماس” يعتبر في الهند عيدا لملايين من الهنود ، ويشترك في تقاليد الاحتفال به المسيحيون وغير المسيحيين ، وتبدأ الاستعدادات لهذا العيد عندهم في بداية شهر ديسمبر ، وهم – عادة – يصنعون كعك العيد قبل هذا التاريخ ، وفي كل بيت نجد شجرة عيد الميلاد وعلى أطرافها قطع القطن التي تشبه قطع الثلج .
تقاليد عيد الميلاد
ويوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر الذي يقترن بعيد ميلاد المسيح حسب توقيت الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي لمولده يكون عطلة رسمية عامة في الهند ، وأما اقتران هذا العيد بحلول رأس السنة الميلادية الجديدة فيضفي عليه أهمية تمازجها الفرحة والاستبشار لدى جميع طبقات الأمة وفيه تتبادل التحيات والمعايدات وبطاقات التهاني ، وتدق النواقيس في الكنائس ، وتسطع الأنوار والزينات في المنازل والشوارع ، وتقام الصلوات والطقوس الدينية في دور العبادة المختلفة الطوائف المسيحية .
وتختلف العادات والتقاليد التي يمارسها المسيحيون في عيد الميلاد في الهند بقدر كا تختلف اللغات واللهجات في المقاطعات العديدة ، ففي بعض القرى في شمالي الهند تطوف جماعات من الطوائف المسيحية في شكل موكب ديني رائع ، وتصحبه الأغاني والترانيم الدينية ، وآلات الموسيقي بأنغامها العذبة .
كيرالا …. والمسيحية
ومن أهم المناطق التي تظهر فيها مباهج عيد الميلاد في الهند بولاية “كيرالا” التي تعتبر أول بقعة وصل إليها “القديس توما” للتبشير بالدعوة المسيحية في شبه القارة الهندية ، وفيها توجد أكبر جالية مسيحية في الهند وهناك أيضا تلتقي مذاهب مختلفة من المسيحيين ، ولكل منها عاداته وتقاليده ، وكنيسته الخصة به ، شعائره الدينية ، إلا أنهم يشتركون جميعا في تخليد ذكرى مولد المسيح واستقبال هذا العيد ، ويمرح الأطفال ويلهون في أثوابهم الجديدة بلعبهم وهديتهم بينما أصوات الأجراس ترتفع في الجو منذ منتصف ليلة عيد الميلاد عند المسيحيين الغربيين أو ليلة العيد لدى المسيحيين الشرقيين .
فإذا سكتت الأجراس قليلا تسمع ألحان عذبة فيها ضراعة خشوع تنساب من شفاة المصلين في الكنائس .
رسالة عيد الميلاد
وتتدفق هدايا العيد من ألعاب الأطفال ، والحلوى وأشجار الميلاد وصور الشخصيات الأسطورية مثل “بابا نويل” إلى بيوت المسيحيين ، كما تكتظ بها المحال التجرية في الطريق العام ، وترتسم الضحكات والابتسامات على شفاء الجمهور الأغنياء منهم والفقراء ، وينظمون في هذه المناسبة حفلات الموسيقي والرقص والغناء ، وموائد العشاء لتناول عشاء العيد في جو من البهجة والسرور ، فيهنئ بعضهم بعضا بهذا اليوم المجيد الذي يدعو الإنسانية إلى رسالة المحبة والسلام التي نزل بها المسيح عليه السلام .
ورمضان في الهند
منذ رؤية هلال شهر رمضان المبارك تدب في بيت كل مسلم النشوة ابتهاجا بقدوم هذا الشهر المعظم ،وتتجلى مظاهر الفرح والغبطة في المناطق المكتظة بالمسلمين وتمتلئ المساجد بالمصلين وتمسكهم بأهداب دينهم الحنيف .
شهر البر والإحسان
ويعتبر المسلمون في كل مكان هذا الشهر شهر البر والتقوى والإحسان ويستقبلونه فرحين مستبشرين بنعماء الله تعالى التي منحها لهم في هذا الشهر المعظم ، ونرى المسلمين في الهند أكثر نشاطا في إقامة مجالس الوعظ وحلقات الدروس الدينية ، وتقوم دور النشر الإسلامية بطبع المنشورات والرسائل تحمل التعاليم الإسلامية ، والمبادئ القرآنية وفضائل هذا الشهر وأحكام صيامه وما يتعلق بصلاة التراويح ، وزكاة الفطر الواجب توزيعها على مستحقيها في ختام صوم رمضان ، وأداء صلاة العيد .
وترى المسلمين في الهند أكثر سخاء وجودا في هذا الشهر ، وقد جرت العادة عند أغنيائهم أن يعملوا حساب زكاتهم في رمضان ، فيوزعوها في المصارف الشرعية ، وتنفق الأمة بسخاء على الفقراء والمساكين والجمعيات الخيرية والمدارس والهيئات التي تعمل لخدمة العلم والدين ، وتستمر هذه الأعمال طوال الشهر المعظم .
ومن عادات المسلمين في الهند تأخير وجبة الإفطار إلى ما بعد صلاة المغرب ، وهم يفطرون على تمرات أو رشفات من الماء أسوة بالسنة النبوية ، ثم يتوجهون إلى صلاة المغرب ، وبعد الفراغ منها يتناولون الإفطار ثم يستريحون لفترة قصيرة استعدادا للتوجه إلى المساجد أو التكيا لأداء صلاة العشاء والتراويح وتضاء المساجد بالأنوار الساطعة طوال الشهر ، وتلقي المواعظ والعروس ليلا ونهارا تشيد بعظمة هذا الشهر ، وتبين فضائله وأحكامه ، وتكتسي الأحياء المكتظة بالمسلمين حللا قشيبة من الروعة والجلال .
أفراح الأطفال
ومنذ رؤية هلال رمضان ، نرى الأطفال المسلمين يسرعون إلى الأسواق لشراء الفوانيس الملونة لكي يتجولوا بها في أحياء المسلمين مرددين بعض الأناشيد الدينية بالعربية أو اللغات المحلية ، ويتجمعون بعد ذلك حول المساجد أو الأماكن المخصصة لصلاة التراويح ، حيث تجري العادة بتوزيع الحلوى والمرطبات عقب انتهاء الصلاة ويلعبون بالمرقعات ، ويرددون بعض المفطوعات من الأناشيد الشعبية التي تحت الناس على صيام رمضان ، والإكثار من الحسنات فيه .
ومن العادات الجارية في أحياء المسلمين في الهند ، إن تطوف جماعات خاصة لإيقاظ الناس لتناول سحورهم بعد منتصف الليل على عرار “المسحراتية” في مصر ، وهو يرددون بعض التراشيح الدينية ، وأحيانا يحملون الطبول أو الدفوف ، وإلى جانب ذلك يكون في كل حي “مسحراني” خاص يمر على المنازل ويوقظ سكانها في أوقات محددة ، ويوم العيد يتقي آجرا نظير قيامه بهذه المهمة خلال شهر رمضان .
الاستعداد لعيد الفطر
وفي العشرة الأواخر من رمضان يستعد المسلمون لاستقبال عيد الفطر المبارك ، وقبل حلول يوم العيد يسرع الناس إلى الأسواق لابتياع الملابس واللوازم المنزلية الجديدة ، ويدب النشاط في كل بيت مع الفرحة والسرور ويتبادل الكبار والصغار التهاني والتحيات ، وتدوي كلمة “عيد مبارك” في كل مكان ويحرصون على أداء زكاة الفطر قبل الخروج إلى صلاة العيد ، ومن الصباح الباكر يتوافدون مهللين ومكبرين في المساجد أو في الميادين العامة المخصصة لصلاة العيد التي تسمى في الهند “عيد كاه” ويظهرون بمظاهر البهجة والعزة ، فيتزين كل منهم بأجمل أنواع الأثواب والزينات مما يملكه ، وتقام يوم العيد حفلات عامة في المدن الكبرى يحضرها كبار رجال الدولة وزعماء البلاد من المسلمين وغيرهم ، ويستمر الاحتفال بعيد الفطر طوال أيام العيد الثلاثة .
وهكذا تحتفل الهند بأعياد ومناسبات دينية لأنباء مختلفة الطوائف التي تعيش في أكنافها وتستظل بظلها ، وتسهم في تقدمها ورقيها .