الخليج اليوم – قضايا إسلامية الثلاثاء 11-نوفمبر -1986 م
لا يخفى على من له إلمام بتاريخ الإنسانية والفطرة الكونية التي خلقها رب العالمين وحدد لها نظاما تسير عليه منذ بدء الخليقة إلى نهايتها المحتومة ، أن الأنبياء والرسل هم أناس اصطفاهم رب البشر لهدايتهك إلى الطريق المستقيم الذي ارتضى الرب تعالى لعباده ، فهم بمثابة النبراس الذي يقتبسون منه القبسات المضيئة في طريق حياتهم ، ويسيرون فيه على هدى وبصيرة بعيدين عن الغي والضلالة ولا يخفى عليه أيضا أن حلقات الرسالات الإلهية قد اكتملت وسلسلة الأنبياء قد اختتمت ببعثة خاتم النبيين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وبالتالي ينبغي له أن يتخذه قدوة وأسوة في موافق حياته كلها إذا أراد السير في طريق الاستقامة وأحب النيل لمرضاة الله عز وجل ورغب في دخول جنته التي أعدت لعباده المطيعين حيث قال : “يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” . ويحث القرآن الإنسان على اتخاذ الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم قدوة في حياته إن أراد النجاة في الدارين ومرضاة رب العالمين فيقول : “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله” ثم يقول مبينا طريقة هذا الاتباع : “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة” ويوضح طريقة ذلك الاتباع وتلك الأسوة بمزيد من الإيضاح فيقول “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” .
وأما الحياة الناجحة المستقيمة فلا تتحقق إلا بالتمسك بالخلق الحسن والسلوك القويم في المعاملات الإنسانية كلها وأن المثل الأعلى والكيفية المثلى لعناصر الخلق الحسن وملامح السلوك القويم الصحيح إنما هو العباد مخاطبا له :”وإنك لعلى خلق عظيم” ثم يبين الرسول صلى الله عليه وسلم الغرض الأساسي من بعثته فيقول : “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ، فعلى المسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها ، أن يتلمسوا بقدر المستطاع ومضات من خلقه العظيم ويغترفوا رشفات من ينابيعه الفياضة ، في هذه المناسبة العظيمة من ذكرى مولده العاطر ، لتستنير حياتهم بنوره وتستقيم أمورهم بفضله ، وتزول آثار الذل والهوان والتخلف والخذلان من بلادهم ! .
ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم الرفق في كل شيئ ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بال أعرابي في المسجد النبوي ، فقام الناس إليه ليقعوا فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “دعوه وأريقوا على بوله سجلا “دلوه” من الماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” (رواه البخاري) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : “ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيئ قط ” (متفق عليه) . ومن أخلاقه أيضا العفو والإعراض عن الجاهلين وعن أنس رضي الله عنه : “كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجواني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة فنظرت إلى صفحة عائق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء ” (متفق عليه) . وعن انس رضي الله عنه قال :ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم وشممت رائحة قط أطيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، فما قال لي قط : أف ، ولا قال لشيئ فعلته “لم فعلته؟ ” ولا لشيئ لم أفعله “ألا فعلت كذا” (متفق عليه) .
هذه قطوف دانية من جنة أحسن الناس خلقا لمن اتخذه أسوة ! .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون غلوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين” (القصص : 83) .
من الهدي النبوي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “البر حسن لخلق والإثم ما حاك في نفسك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس ” (رواه مسلم) .
من الأدعية المأثورة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو : “اللهم مصرف القرآن صرف قلوبنا لى طاتعك” (رواه مسلم) .