الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 30-مارس-1986 م
إن العقيدة الصحيحة كشهادة اللسان واعتقاد القلب هي مصدر الأعمال الصالحة ، وهذا هو سر اقتران العمل الصالح بالإيمان في عدة آيات قرآنية ، وبقدر ضعف قوة العقيدة تضعف قوة الأعمال وحماسها كما أنها منبع الهمة والشجاعة والمثابرة والتضحية والإيثار فهي الميزان الدقيق لأعمال الإنسان .
وبفضل هذه العقيدة غلب العرب المسلمون أقوياء الأرض حين انتصروا عليهم وبفضل قوة ومناعة هذه العقيدة أيضا قد صمدوا عندما واجهواالنكسة النكراء ، وحافظوا على كيانهم عندما تغيرت الظروف – لسبب أو لآخر – ودالت الدول وتبدلت المقادير وغلب الأقوياء عليهم فذاقوا البأس والمرارة بأيدي قاهريهم .
وأفردت هذه العقيدة الإسلام بميزة لم تعهد في أي دين آخر في تاريخ البشر ، ولهذا يفكر أعداء الإسلام ومناهضوه من كل حدب وصوب ، في اختراق الحاجز العقدي للعالم العربي الإسلامي ليدخلوا الوهن والضعف في روح العرب والمسلمين بزعزعتهم عن عقيدتهم التي تفرض الكفر والإلحاد والاستعمار والاستذلال والهوان ، ولا ترضى للقوة والعزة والكرامة بديلا
القلب مقر العقيدة
وأن الأمور العقدية في الإسلام جاءت وحيا في القرآن الكريم والسنة النبوية وأن الأمور العقدية لم تصل إلينا عن طريق المفكرين والعلماء أو الزعماء والقادة ، وإنما وصلت إلينا عن طريق الأنبياء الذين يوحي إليهم من الله تعالى والذين ختمت رسالاتهم برسالة خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي نزلت عليه الآية القرآنية في حجة الوداع يوم عرفة : “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا “(المائدة : 3) . وأما القرآن فهو الكتاب السماوي الوحيد المحفوظ من التحريف والباقي إلى آخر الأبد ، والسيرة الوحيدة من سير الأنبياء التي قد سجلت ودونت بكل دقة وحيطة وإتقان باتفاق آراء العقلاء جميعا .
وأما تسمية ما هو وحي إلهي بالفكر الإسلامي أو الفكرة الإسلامية بل وأحيانا بالتراث الإسلامي وبالمصطلح الأجنبي “أيدولوجية إسلامية” فكل هذا وذاك قد جاء نتيجة التأثر بغزو النظريات العلمانية والأفكار الالحادية الوافدة من الغرب إلى الشرق العربي الإسلامي .
وأن بناء الإسلام أساسه العقيدة وهذا الأساس يقام في أعز مكان في الإنسان وهو قلبه الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ثلاث مرات “التقوى هاهنا” ، وقال أيضا : “ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” (متفق عليه)
العالم الإسلامي يواجه التحدي العقدي
إن تحديد العقيدة في نظر الإسلام أمر هام في مجال البحث عن التحدي العقدي الذي يواجهه العالم العربي الإسلامي ، واستخدم عدد من الكتاب والمفكرين المعاصرين الإسلاميين مصطلحات عديدة متقاربة المفاهيم للدلالة على المعنى الشامل الذي يؤديه مصطلح “العقيدة الإسلامية” فهي مصطلح مستعمل منذ القديم ، يشمل كل ما يتعلق بأركان الإيمان ، من الإيمان بالله وصفاته وأسمائه والنبوات والأنبياء والرسل والملائكة واليوم الآخر والقضاء والقدر .
ومن المصطلحات التي حاولوا استعمالها لأداء معنى “العقيدة” في الاصطلاح الإسلامي مصطلحات “الفكر الإسلامي” و “التصور الإسلامي” و “الفكرة الإسلامية” و “المذهبية الإسلامية” وأخيرا وليس آخر المصطلح الأجنبي “الأيدولوجية الإسلامية” ، وفي الحقيقة أن أيا من هذه المصطلحات الحديثة لا يؤدي إلى دلالة العقيدة في الإسلام ، فإن هذه العقيدة مصدرها الوحي الإلهي ، وليس فيها دخل للفكر الإنساني أو التصور البشري أو النظرية الإنسانية (الأيدولوجية) .
العقيدة الإسلامية قوام العروبة الإسلامية
وأما العالم الإسلامي غير العربي فينظر إلى المنطقة العربية ، فضلا عن اعتبارات القوة والثروة والاستراتيجية ، كأنها مركز القيادة والريادة للنهضة الإسلامية وتقدم المجتمع الإسلامي ، لأنها قد أصبحت بعد البعثة المحمدية طليعة أمة الإسلام ورائدة العلم والحكمة وحاملة لواء دعوة الإسلام إلى شتى بقاع الأرض ، فحملت الأمة العربية أعباء الدعوة والجهاد بتضحيات وإيثار وإيمان ، وتلك هي الأمة العربية القوية السليمة التي سجلها التاريخ بمداد من نور ، ومن هنا قيل : ” إذا عز العرب عز الإسلام وإذا ذل العرب ذل الإسلام” .
وأن المستعمر الغربي والشرقي الذي يعرف هذه الحقيقة يدرك بدهائه وبثاقب فكره ومكره أن في إضعاف العرب ، إضعاف المسلمين جميعا ، وأن في استعمار بلادهم توطئة لبث نفوذه على العالم الإسلامي والشرق كله .
إن كل فئة من الجماعان البشرية في جميع الأزمنة والأمكنة تتميز بصفات وعادات وشعارات وأنماط من مظاهر الحياة عن مثيلاتها ، وهذه المميزات هي مقوماتها الشخصية وطابعها المميز ، وهي التي تمنع أفرادها أن يذوبوا في غيرهم عند الاختلاط ، ومن أن تنحل رابطتهم عند التحديات الخارجية وهي التي تساعدهم على استرداد قوتهم ومنعتهم عند الشدائد والمحن ، والعقيدة الإسلامية رائدة الحضارة الإسلامية ومصدر قوة العرب والمسلمين ومنبع وحدتهم ومدار مستقبلهم القائم على العزة والكرامة والاستقرار .