الخليج اليوم – قضايا إسلامية الاثنين 25-أغسطس-1986 م
كفى للعاقل عظة ودرسا وفهما لدور اللسان في نجاح الإنسان وفسله واستقامته وملكته في هذه الحياة الدنيا والحياة الآخرة ، ان يقرأ ويحفظ ويعي قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وقدوة للمؤمنين وأسوة للمتقين عن الموبقات والمهلكات إذ أعلن بجوامع كلم بكل وضوح وجلاء : “إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول : “اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا ” (رواه الإمام الترمذي) ، (وقد بين العلماء واللغويون الفقهاء معنى اللفظ الوارد في الحديث : تكفر اللسان أي تخضع له وتذل وترى أثره فيه) . وقد قال سبحانه وتعالى مبينا مسؤولية كل إنسان تجاه لسانه وما ينطق به : “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد” (ق : 18) . وكذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطورة اللسان في مصير الإنسان فقال : “وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ” (رواه الترمذي) .
وينبغي لكل مسلم مكلف أن يفكر ويقدر قبل أن ينطق بكلمة بلسانه لأن الكلمة هي تؤديه إلى شاطئ الأمان والكرامة أو ترديه إلى حضيض المخاطر والمفاسد والذلة ، وعليه أن يحفظ لسانه عن أي كلام لا تظهر فيه مصلحته وسلامته فإذا استوى فيه الأمر أي ليس فيه نفع واضح ولا ضر فالأفضل له أن يتركه لأنه ربما يكون لغوا وفضولا أو مباح لا يكسب له خيرا ولا تتحقق به مصلحة تذكر وأن من خلق المؤمن : “والذين هم من اللغو معرضون” .
وزن الكلمة في ميزان الأمة
إن الأمة الراقية والناضجة في معترك الحياة الإنسانية توزن وتعرف صلاحيتها الناجحة وتقام في صفوف الأمم ذات القيمة والصوت المسموع في ميزان الحق والعدل وفي منظار العزة والكرامة ، بمقدار احترامها للكلمات التي تخرج من أفواه أبنائها ، والكلمات التي تذاع وتبث في وسائل إعلامها ، والكلمات التي تسطرها أقلام علمائها وكتابها ، وذلك بناء على المحك الذي تعرض عليه تحك معايير الأمم وقيمها ومثلها وإلى هذا المحك الكوني الفطري أشار المثلى العربي الشهير : “كل إناء ينضح بما فيه” ، وكما أشار إليه أيضا الشاعر العربي : “إن اللسان على الفؤاد دليل” .
فأفراد الأمة الناجحة ذات ثقافة عالية وحضارة سامية وتمر بمرحلة اليقظة والكرامة في الحياة ، لا يطلقون ألسنتهم بدون لجام وزمام ، ولا يلجون بها في كل غث وسمين ، ولا يضيعون أوقاتهم النفيسة في قيل وقال وفضول ، ولا يتشدقون بسفاسف الأمور ولا يتفوهون بتوافه الأشياء ولا يتركون إليها أضحوكة الأمم الأخرى من جهلها وفشلها ، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على حفظ اللسان من كل كلمة ونطق وتلفظ يتسبب ضررا أو مسبة لنفس المسلم أو المجتمع لأن المجتمع الذي يهدف إليه الإسلام إنما هو مجتمع شريف ونظيف من كل الرذائل والمساوئ والعيوب قولا وفعلا أو اعتقادا ، وقد ربط الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم اللسان بالإيمان بمعنى أدق وأعمق فقال :”من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” (متفق عليه) ، وينص هذا الحديث الشريف على عدم الجواز بأن يتكلم المؤمن بأي كلام إلا إذا ظهر جانب الخير فيه ، ومتى شك في ظهور ذلك الجانب فلا ينبغي له أن يتكلم به ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا : “إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق ولمغرب” (متفق عليه) وفيه تحذير صريح وبليغ عن إطلاق اللسان على علاته لينطق بكل ما يشتهيه ويحلو له .
أكثر الموبقات من اللسان
ولا يخفى على من له إلمام بقائمة الموبقات المهلكات من الذنوب والمعاصي التي تردي صاحبها إلى مهاوي التهلكة وتفرق صفوفها وإضعاف قواها أن مصدرها اللسان ، ومنها : الغيبة ، والنميمة ، والكذب ، والزور ، واللعنة ، والفتنة ، ونقل الكلام بدون تثبت وتبين والسباب والتسمع فكل هذا أوذاك مسبة لأصحابه ومغبة وحقارة لأمة الإسلام التي ينتمون إليها صورة لا سيرة قالبا لا قلبا .