المدينة 10 شعبان 1400
يدل التاريخ على أن صوت الإسلام قد وصل – لأول مرة – إلى شبه القارة الهندية – الباكستانية بأيدي العرب ، كانوا هم طليعة المسلمين الذين أناروا الطريق لنشر الدعوة الإسلامية في ربوعها عقب انبثاق فجر الإسلام في بلاد العرب ، وأول بقعة أشرقت بنور الإسلام في شبه القارة الهندية هي منطقة “ملابار” (كيرالا) الواقعة في شاطئ الهند العربي على ساحل بحر العرب .
وحمل التجار العرب الذين كانوا يرتادون هذا الشاطئ وموانئه ومراكز لتجارة فيه قبسا من نور الإسلام الوهاج وأضاءوا به أرجاء الهند الساحلية ، ولم يلبت أن توسع نطاق الجهود التي بدءها .
هؤلاء الدعاة العرب المسلمون حيث تبعهم في هذا الميدان المسلمون الهنود الذين استضاءوا بذلك النور .
وتشير الأدلية التاريخية إلى أن الهند هي المصدر الذي استمد منه أهالي اندونيسيا وسيلان والملايو والصين علمهم عن الإسلام أما بطريق الدعاة العرب الذين كانوا يباشرون التجارة مع الهند منذ زمن قديم أو بطريق الدعاة المسلمين الهنود الذين تشبعوا بالدعوة الإسلامية وبذلوا أقصى الجهود لنشرها في شتى الأرض .
ومجال موضوعنا الآن هو إلقاء الضوء – بشواهد تاريخية – على حدوث اتصال وثيق بين العرب والهند منذ عصور بالغة في القدم ، وقد ساعد هذا الاتصال على دخول الإسلام في مراكز التجار العرب في جنوب الهند عقب انتشاره في جزيرة العرب ، وإن الفضل الأكبر في نشره في تلك البقاع يرجع إلى العرب وحدهم ليكون هذا البحث عونا للوقوف على مدى الدور الذي لعبه العرب ، في مختلف العصور في سبيل نشر الإسلام في مختلف القارات – تجارا ورحالا ودعاة – وبذلوا أقصى الجهود في سبيل نشر اللغة العربية والعلوم الإسلامية في كل بقعة نزلوا فيها .
ويقول المؤرخ الإسلامي الهندي الدكتور “محمد حسين نينار” :”ولما جاء القرن السابع المسيحي أصبح الإسلام دين العرب وكان ذلك بمثابة انتقاضة روحية هائلة أحدثت تغييرات ضخمة في حياة العرب ، وأصبح العرب ينتشرون في شتى بقاع الأرض ، تجارا ورحالا وأعضاء وفود لنشر الدعوة الإسلامية منذ القرن الثامن الميلادي” ، وأضاف يقول إن العرب كانوا يفدون إلى الهند قبل العصر المسيحي بآلاف السنين لأغراض تجارية وفي بعثات لزيارة آثر قدم سيدنا آدم في جزيرة سيلان ، وهم اتصلوا اتصالا وثيقا بجنوب الهند بجزر الهند الشرقية ، وحصلوا على كميات صخمة من الروائح والطيب المختلفة واتجروا بها في جميع أنحاء أفريقيا وأوربا ، ومن المعروف أن هؤلاء الناس الذين كانوا يباشرون التجارة في الزمن القديم من القينيقيين الذين هاجروا إلى ساحل الشام من سواحل البحرين المجاورة ، وكان النشاط التجاري لهؤلاء الفينقيين – وهم قوم عرب – يمتد إلى بلاد إيران والهند وجزر الهند الشرقية والصين ولم ينقطع اتصال العرب بالهند بعد إخفاق شأن الفينقيين بل استمر اتصالهم بها وظلوا يتزعمون حركة التجارة العالمية ، ويمكن لنا أن نقدر بسهولة مدى اهتمامهم بالهند مما أجاب به أعرابي رحالة حين سأله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ما رأيك عن الهند بوجه عام ؟ فقال الأعرابي هذا القول البليغ الوجيز : “إن بحرها مليء بالدرر وجبالها تزخر بالأحجار الثمينة وأشجارها تفوح بالرائحة العطرية ” .
إن العرب كانوا يحصلون على أرباح واسعة من هذه التجارة وكانوا يأتون إلى الهند في كل موسم كما كان الهنود يحصلون على أرباح كثيرة بسبب تجارتهم مع العرب والمسلمين وصارت للملوك الهندوس الذين كانوا يحكمون المناطق الساحلية بالهند ثروات ضخمة نتيجة لتجارة المسلمين فهم كانوا يجتمعون معدل 10 في المائة من الإيراد كضريبة ، وكانت التجارة ناجحة جدا سبب العطف الذي يبديه هؤلاء الملوك نحو المسلمين ، وأصبحوا مستقرين في مختلف المدن في جنوب الهند ، (المقال المنشور للدكتور في مجلة ثقافة الهند عدد أبريل 1962) .
والذي يعزز الرأي القائل بأن الإسلام قد وصل إلى جنوب شبه القارة الهندية عن طريق التجار العرب في عصوره الأولى هو مدى التجارة الوثيقة التي كان يمارسه العرب منذ أقدم العصور وكذلك الجاليات ، العربية التي تكونت فعلا في موانئ سواحل الهند الفردية والمراكز التجارية فيها .