الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 18-فبراير-1987 م
إذا نظرنا إلى حالة العرب والمسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض ، نرى آثار مركب النقص وسلبيات عقدة التخلف ومظاهر فكرة الغالب والمغلوب ونفسية المهزوم والمنتصر ، منتشرة في نفوسهم ، وبدراسة الأسباب المؤدية إلى هذه الحالة المحزنة ، وبالتعمق في الخلفيات الأساسية لهذه المحنة الطاحنة نجد وراءها ضغوط التقدم الغربي في مجالات الحياة وشدة تأثير وسائل الإعلام الغربي ، وسيطرة مناهجها المتحكمة في بلاد المسلمين شرقا وغربا وبحكم النفوذ الغربي في المجالات التكنولوجية والعلمية والفنية ، ومرافق الحياة الصناعية والتجارية وفوق كل هذا وذاك في المجال الفكري والثقافي والحضاري .
وقد تركت ضغوط الثقافة الغربية وأنماط الفكر الغربية ووسائل التعليم الغربية قد تحكمت في مصير وتقدير الاتجاهات الفكرية والعقلية بل في محاكاة المظاهر الغربية في الحياة الاجتماعية .
ويعيش المجتمع الإسلامي اليوم خاصة شباب اليوم في حالة من الارتباك والحيرة لأن القيم الإسلامية ومعالم تراث الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية المدونة في الكتب والآداب والظاهرة على روائع الفنون من العمائر والقلاع وغيرها ، تجذبهم إلى رغبة التكيف بها والتعايش معها ، وفي الوقت نفسه لا يرون لها أرضا واضحة وثابتة للوقوف فيها ، ولا يجدون برامج أو مناهج متميزة ومحددة المعالم للثقافة الإسلامية في غاياتها ووسائلها وطرق تطبيقها في الحياة اليومية بصورة عملية فعالة ومؤثرة فيعش هؤلاء الشباب في حالة تطلع وتوثب إلى منهج ثقافي إسلامي متكامل ومتجاوب مع جميع متطلبات الحياة ومقتضيات العصر لكي يحتفظوا بشخصيتهم الثقافية وذاتيتهم الحضارية ومكانتهم العلمية الخالدة .
ولهذا يجب على كل جهة معنية بشؤون الثقافة العلومفي العالم الإسلامي أن تتخذ خططا مدروسة ومتقنة ومتكاملة لتنفيذ منهج ثقافي إسلامي في كل مرافق حياتهم .
وهكذا يتحقق را الاعتبار لحق الثقافة الإسلامية في العالم الإسلامي وتستقر حياة المجتمع الثقافية وتختفي مظاهر الانبهار بالثقافة المنحرفة التي لا تليق بأمة القيم النبيلة والحياة المثالية الجادة الهادفة .
ومن المفهومات المغلوطة الشائعة التصور الخاطئ المشوه عن العلاقة بين الإسلام والتقدم الحضاري ، فلا يخفى على من له إلمام يحقيقة الإسلام ومبادئه وتعاليمه أن الإسلام دين الثقافة السليمة القويمة ولو أنه يحارب بعض الأفكار والاتجاهات المنحرفة التي دخلت في مجالات الثقافة مع أنها لا تمت بالثقافة الإنسانية بصلة ، وقد نشأ هذا الوهم الخاطئ نتيجة لمفاهيم خاطئة لحقيقة الإسلام أو حقيقة الثقافة ، أو بشبهات آثارها – ولا يزال يثيرها – بعض الجهات والدوائر المغرضة بأن الإسلام ليست له علاقة بالثقافة بأنما هو مجرد من مجموعة من العقائد والعبادات والشعائر الدينية أو أنه لا يشجع الثقافة العامة إلا في أضيق الحدود .
وفي الحقيقة والواقع أن بالرغم من عدم وجود مصطلح “الثقافة” وتداوله على ألسنة علماء المسلمين وأدبائهم في العصور الأولى للإسلام ، فيمكن لنا القول بأن الإسلام بالمعنى الأعم والأشمل إنما هو الثقافة الإنسانية الفطرية أو الثقافة الإنسانية الحقة هي الإٍسلام ، وينبغي أن يكون معلوما كذلك أن آفاقية الثقافة الإسلامية وإنسانيتها وفطريتها قد جعلتها صالحة لجميع الشعوب وفي جميع الأزمنة والأمكنة إن صح فهمها وحسن استخدامها .