الدعوة – ديسمبر 1979م – القاهرة
إن هدف الصهيونية منذ نشـأتها كحركة سياسية وفكرية هو استدرار الشفقة على اليهود بإصرار وتهالك بغية حشد يهود العالم في الأرض التي اغتصبوها من أهل فلسطين العربية وتوسيع رقعة تلك الأرض بعد التخلص تماما من سكانها الاصليين ، ثم إلقاء صفة القومية الواحدة على فئات من البشر تبعثرت منذ ألف سنة في أوطان كثيرة وعاشت دائما فى غزلة تامة متمسكة بتقاليدها الدينية والثقافية والاجتماعية التي تبعدها عن الاندماج في الشعوب الأخرى إلا لأجل التضليل أو الخداع .
ومنذ انتهاء الحرب الأخيرة بدأت الصهيونية حملاتها الفكرية والنفسية بتخطيط مدروس ، فأنزلت أولا
إلى الأسواق كمية ضخمة من الأفلام التي التقطتها الأيادي الخفية التي كانت تعمل لحساب الصهانية ، من صحفين وسينمائيين ، ومن الحرب عن حملات النازية على اليهود , وكانت الصهيونية على ثقة بأن الطريق ستكون معبدة أمامها بعد الحرب للتسرب إلى ضمائر الأوربيين بطريق شحن عواطفهم بالإحساس . بالذنب والخجل مما ارتكبه الأوربيين في حق اليهود . ثم تستطيع وسائل الأعلام الصهيونية أن تستمر فى بذل الجهود المتواصلة بدون تردد وبدون رحمة لتصعيد آثار هذا الاضطهاد الأوربي في حق اليهود ، حتى إذا ما استسلمت العواطف لهذه الدعاية أخذت تتسرب تدريجيا إلى الضمائر و العقول.
المؤامرة والهدف
وكل هدفهم من هذه المؤامرة تبرير رحيلهم إلى فلسطين ومغادرتهم أوربا . وكذلك ليترسخ في ضمير الإنسان الأوربي حق اليهود في الاستقرار والطمأنينة في دولة إسرائيل الفتية ، كأنها هي العوض عما ارتكبه الأوربيون في حق الشعب اليهودي من اضطهاد وعذاب .
والجديد في الوسائل الصهيونية للوصول إلى أهدافها هو السعي لتمحو من الأذهان تماما أي تساؤل عن مصير الشعب العربي الفلسطيني الأصلي الذي أقيمت دولة إسرائيل على أرضه بعد أن شرد منها بالخداع والاضطهاد والظلم. وتلتجئ الحملات الصهيوينية لإزالة هذا التساؤل من الأذهان إلى طريقتين رئيسيتين :
فأولاهما : الادعاء بأن العرب الفلسطينيين من أرضهم إنما يقيمون الآن بين إخوانهم ، وفي الجو المناسب لهم حيث يلقون أحسن معاملة .
ثانيتهما : الادعاء بأن البلاد صغيرة وإمكانياتها محدودة ، وأن اليهود الذين شردتهم الحرب الأوربية ما زالوا يحلمون بالذهاب إلى اسرائيل ، فلا يمكن أن يتحقق هذا الهدف بدون خروج العرب .
الصهيونية والعنصرية
وهكذا تسعى الصهيونية لإضفاء صفة الإنسانية على مذهبيتها العنصرية والعدوانية والاستعمارية ولإزالة أشباح مأساة العرب الفلسطينيين من ذاكرة الناس ، ومن ناحية أخرى تنظم الصهيونية العالمية بواسطة صحفها ووسائل أعلامها الكثيرة حملات لحث اليهود على الرجوع الى الوطن الام, أو الاخلاص له والتبرع له بالمال والبنين بسخاء وجود وهذا هو الخط العريض لاساليب دعاية الصهيونية ونشاطها فى المجالات السياسية والاقتصادية والفكرية فى دميع أقطار الدنيا.
وتقف الأمم والشعوب التي لم تدرس ملابسات هذه القضية ولم تصل إلى عقولها الحملات المضادة بطريقة معقولة ومقبولة ، تقف من هذه الدعايات الصهيونية موقف القنع بسلامتها .
وأما السؤال الذي يجب أن يكون ماثلا في أذهان العرب والمسلمين ، بل وكل حر نزيه ، فهو متى وكيف نواجه هذه الجرثومة التي تبثها الصهيونية العالمية في الأذهان العقول البشرية في الأقطار المختلفة ؟ ومتى يكون دورنا على المستوى المطلوب في مواجهة الخطر الصهيوني ؟ .
و إن الجذير بالذكر هو أن العدل لا يتحقق تلقائيا ، فإنه يتحقق بالعمل له والسعي إليه بمثابرة ومواظبة ، وقبل أن نتحرك في أي اتجاه لمواجهة وسائل الصهيونية العالمية ، ينبغى لنا أن نتنبه إلى حقيقتين هامتين ، لهما أثر كبير في جعل دورنا على مستوى تلك الوسائل .
1- إن الحركة الصهيونية في حد ذاتها أنشأها ونظمها الصحفي النمساوي البارع “تيودور هرتزل” فكان للصحافة والوسائل الإعلامية المقروءة و المرئية دور واضح في تدعيم الصهيونية وترويج أهدافها .
2 – إن الصهيونية كانت في المقام الأول حركة الأكادميين والمثقفين الذين يلاحقون عجلة التطور في مجالات الفكر والسياسة والاقتصاد ، من يهود العالم الغربي ، فهاتان الحقيقتان تدلان على أن قيادة الحركة الصهيونية العالمية كانت ولا تزال في أيدي عناصر نشطة ومثقفة .
تخطيط للمواجهة
وفى ضوء هذا الواقع القائم يجب أن نضع في الاعتبار أولا وقبل كل شيئ ، في مجال أو مواجهة الصهيونية والرد عليها ، الملاحظات الآ تية :
1 – العناية الواعية بالبعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية في الأقطار الغربية ، لكي تصبح هذه البعثات أقدر على مواجهة تيار الدعايات المعاكسة الصادرة عن الصهيونية والصحف المرتبطة بها مباشرة أو غير مباشرة بالرد على تلك الدعايات فورا بأساليب مؤثرة .
2 – دراسة المفاهيم المغلوطة التي رسمتها الصهيونية في الأذهان وتصحيحها بأسلوب مثقف وجرئ ، بشتى وسائل الأعلام التي ينفذ أثرها إلى الأقطار التي تتحرك فيها الصهيونية بحرية مطلقة .
3 – الاستفادة من الصحف والعناصر السياسية والمثقفة والمستقلة في تلك الأقطار ، تشرح لها مشكلة فلسطين بنهج المنطق والموضوعية والإنسانية ، بعيدة عن أية شائبة من شوائب العواطف أو التهريج . فهذا المنهج ضروري جدا في نظر هؤلاء المحايدين المستقلين .
4 – إيفاد شخصيات أكفاء من الصحفيين والمحاضرين والسياسيين الذين يستطيعون الاتصال والحديث بزملائهم في تلك البلاد بنفس اللغة التي يتحدثون بها والأسبوب الذي يفضلونه ، حتى تكون مناقشاتهم ومحادثاتهم عونا على توثيق العلاقات الشخصية وتفهم شتى نواحي القضية التي يطرقونها .
5 – بأن يكون الطلاب المبعوثون من البلدان العربية والإسلامية إلى الأقطار التي فيها نفوذ الصهيونية أو أعوانها ، على قدر كاف من الفهم لهذه القضية الحساسة وعلى قد كبير من الثقافة العامة والمهارة لمعاشرة الناس والاختلاط بهم والتأثير فيهم قولا وعملا وخلقا .