الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 9-فبراير-1986 م
إن الطلب لنيل حب الله سبحانه وتعالى ، ومرضاته من شأن المؤمنين المتقين ، وكان أيضا من الفطرة البشرية البحث والنشدان عن طريق الوصول إلى محبة الخالق الجبار والسلوك في ذلك الطريق بثبات وإيمان ويقين فقد أوضح سبحانه وتعالى لعباده في كتابه المجيد ذلك الطريق ليسلكوا فيه على هدى وبينه فقال : “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ” (آل عمران : 31) . وتبين من هذه الآية المحكمة أن اتباع الرسول هو الذي يؤدي المؤمن إلى محبة الله ومن أراد أن ينال حب الله فما عليه إلا اتباعه للرسول صلى الله عليه وسلم . ترتفع درجة حب الله له ، وذلك بمفهوم نص القرآن إذ قال : “فاتبعوني يحببكم الله ” ومادام الاتباع والحب مرتبطين بصيغة الجملة الشرطية يكون المعنى الارتباطي الناشئ عنها يزيد وينقص درجة ومرتبة حسب المستويات المرحلية لتحقيق ذلك المعنى .
كمال حب الرسول من كمال الإيمان
إن حي الشيئ يدعو إلى الموصل إليه وحب المستلزم له وأما الشيئ الذي يستلزم حب الله فهو اتباع الرسول وهذه الاتباع يتم بحبه صلى الله عليه وسلملأن الحب هو الذي يؤدي إلى التعرف عليه والتقرب إليه والتمسك به ، والخطوة الأولى في اتباعه التصديق برسالته صلى الله عليه وسلم وبما جاء به والانصياع إليه ، وتليها خطوة الانتفاع بما جاء به من الرسالة السماوية والتعاليم الإلهية مع معرفة قدرها وعظمتها وشأنها لأنه هو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور وذكاهم وعلمهم الكتاب والحكمة وبين لهم طريق النعيم المقيم.
وعند ما يجتاز المؤمن هذه المراحل من الإيمان والانتفاع لا يجد أمامه إلا أن يحبه أكثر من كل شيئ في هذه الحياة الدنيا لأن هدايته من نور رسالته وأن سعادته الأبدية من اتباع سيرته وأن نيله محبة ربه من الإيمان بما جاء به والأخذ بأوامره ونواهيه : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ” .
وروى عن انس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ” . فأما حب الرسول فدليل على الإيمان وبمقدار درجة حبه للرسول صلى الله عليه وسلم تزداد درجة إيمانه ، وعلى هذا القياس والمنطق يجوز لنا القول بأن العبد ينال محبة الله تعالى بمقدار درجة اتباعه وحبه للرسول صلى الله عليه وسلم لأن العبد المؤمن كلما يزداد حبه للرسول يزداد تمسكه بتعاليمه ويشتد شوقه لاتباع خطوته في شؤون حياته ، فإذا كان الرسول أحب إليه من أبيه وأمه وصاحبته وبنيه ، ومن المال والأقارب والناس أجمعين كان كامل الإيمان ، وحينما يصل الإنسان إلى كمال الإيمان وأوجه الاتباع يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه ، ويكون فداء له في حياته ، وقد وصل الصحابة الكرام إلى هذه الدرجة من حبه الرسول صلى الله عليه وسلم وعرضوا أنفسهم فداء لحماية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من مواقع م أخطار المشتركين والأعداء ، وصفحات التاريخ مزدانه بهذه الوقائع والتضحيات .
كيف يتحقق الاتباع الموجب لمحبة الله
إذا عرفنا أن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الموجب لمحبة الله تعالى بنص القرآن فيجب على الإنسان المتطلع إلى التنعم بمحبة خالقه ورازقه وربه أن يتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بها والدفاع عنها ، برهان على كمال الاتباع فكمال الحب وبالتالي كمال الإيمان ، وأن ادعاء الاتباع بدون الاتصاف بأخلاق بصيغته وصفاته لن يؤدي إلى الهدف المنشود ، فلينظر كل منا موضعه وليزن نفسه ، حتى يكون جديرا بحب الله تعالى وحريا بالدرجة العليا من الإيمان .