الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 19-مارس-1986 م
لقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن ، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه الله مالا ، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار، (متفق عليه) .
وقد حث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المؤمنين على التحلي بصفتين عظيمتين وخصلتين نبيلتين من صفات عباد الله الأبرار ، وبهما ينال المؤمن درجة الكرام البررة ومرتبة المتقين لهم مقعد صدق عند مليك مقتدر ، والخصلة الثانية تتعلق بالمال والإحسان مقرونة أيضا بالنية الصادقة والإيمان الخالص .
فضل قراءة القرآن
وإذا أراد الإنسان فضل القرآن وفضل قارئه ومتعلمه ومعلمه كفاه أولا وقبل كل شيئ أن يدرك أن القرآن العظيم هو رسالة خاصة وخطاب خاص أرسله الله تعالى إلى الناس عن طريق خيرة عباده الأصفياء من الأنبياء والرسل ، ومن المعروف أن أية رسالة أو خطاب ينظر إليه الإنسان العاقل من جهة مصدره وصاحبه فإذا جاءتك رسالة من أهل المقربين إلى قلبك تنطر إليها ، وتهتم بقراءتها وتفهم محتوياتها باعتناء واعتزاز ، ومادام القرآن كتاب الله العزيز الحكيم وخطابه إليك يرشدك ويهديك ويقودك إلى طريق النعيم المقيم فكيف لا تسعد بالنظر إليه ؟ وقراءته والعمل بما فيه بشوق وشغف بالغين ؟ .
مصدر السكينة والطمأنينة
لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين” . وأما الذين يرفعهم الله تعالى بالقرآن فهم الذين يقرؤونه ويؤثرونه صحبته ويرفعون قدره ويتخذونه كتاب هداية ونور في حياته ، وعندما يجد حلاوة تلاوة كتاب ربه ورازقه ومالكه كأنه رسالة شخصية منه إليه فهل هناك شرف أرفع وأغلى من هذا ؟ .
وحينما يرتل كتاب الله بهذه الصورة النبيلة يلقي الله عز وجل في قلبه رحمة وطمأنينة وسكينة وإلى هذه الدرجة الرفيعة تشير الآية الكريمة : “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ” (رواه مسلم) .
فضل الغني الشاكر عند الله والناس
وأما الخصلة الثانية التي هي جديرة بغبطة الغابطين وحسد الحاسدين فهي كسب المال من وجوه الحق وصرفه في وجوه الحق ، وهذه هي خصلة أصحاب الدرجات العلى والنعيم المقيم عند رب العالمين وعند الناس أجمعين .
وأن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في هذا الشأن كثيرة ومعلومة ومنها قوله تعالى : “فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى” (الليل : 5) . وقوله تعالى : “قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال” (إبراهيم : 31) .
ثم يبين القرآن مضاعفة أجر المنفقين في سبيل الخير بنية حسنة بصورة أبلغ وأروع إذ قال : “مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء . .” (البقرة : 261) .
ومن الأحاديث الوارد في فضل الغني الشاكر ودرجات أهل الدثور ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقالوا : “ذهب أهل الدثور (أي أصحاب الأموال الكثيرة) بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، فقال : “وما ذاك ؟ ” فقالوا :: يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقدون ولا نعتق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم ، تسبقون به من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ” ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : “تسبحون وتحمدون وتكبرون ، دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة ” ، فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ، ففعلوا مثله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ” (متفق عليه) . وهذا قليل من الكثير الذي ورد في فضل الموسرين المتنافسين في سبيل الخير : “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون” .