الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 18-يناير-1986 م
إن هذا التحدي الذي وجهه الخالق الباري تعالى إلى العالمين جميعا قائم إلى الأبد . ورغم الاكتشافات الهائلة والمخترعات الحديثة والوصول إلى النجوم والكواكب والغوص إلى أعماق المحيطات ، واكتشاف عديد من أسرار الكون ومعرفة بعض الحقائق عن الحياة والأحياء ونظام الكون ، فإن علماء البشرية العباقرة ، وخبراء العلوم العمالقة ، عجزوا جميعا عن صنع ذبابة أو بعوضة أو نملة صغيرة ! وها هو القرآن الحكيم يشير إلى قانون الخلق والإبداع : “بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيئ وهو بكل شيئ عليم ، ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيئ فاعبدوه وهو على كل شيئ وكيل ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير “. (الأنعام) . ويقول أيضا : “بديع السماوات والأرض وإذا قضى امرا فإنما يقول له كن فيكون ” .
قانون الضبط والتوازن في كل شيئ !
إن الطابع الإبداعي ظاهر وواضح في كل شيئ حتى الذرة الصغيرة ، وقد أعكى الخالق الجبار قانون الضبط ولاتوازن لكل شيئ في الكون ، وبدون ذلك القانون الإلهي لن يكون قوام ولا وجود لأي مخلوق في الوجود ، وأشار القرآن إلى هذا القانون الفطري الجاري في كل الخلائق : “سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى” (الأعلى) . فكل جيل من البشر موضوع في زمانه من العمر ومكانه المهيأ له على الأرض ، وكل عضو من جسم الإنسان مزروع في مكانه المعد من الجسد ، وفق قانون الضبط والتوازن الذي اختاره الخلاق المبدع لعباده ، ولا تسير الحياة بمحض الصدفة وإنما تسير بقوانين وضوابط تحكمها بأمر الله تعالى . ولا يوجد في الكون مخلوق إلا هو خاضع لهذه القوانين فلا صدفة ولا عشوائية ولا فوضى في الخلق والتقدير والتدبير ، وإنما هو سائر في دائرة إبداع الخلاق وتدبير الحكيم وحفظ اللطيف الخبير . وتؤكد الآيات القرآنية التالية هذه الحقيقة بكل قوة ووضوح : “وخلق كل شيئ فقدرناه تقديرا” (الفرقان) . و “إنا كل شيئ خلقناه بقدر” (القمر : 49) .
وكذلك قوله تعالى :”وإن من شيئ إلا عندنا خزائنه وما تنزله إلا بقدر معلوم وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين” (الحجر : 22) .
ثم قال : “ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى” .. (الأحقاف) . وأيضا قال : “وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم ” (الحجر : 86) .
ضعف الطالب والمطلوب
إن الإنسان العاقل إذا تفكر بالعاقل السليم وتبصر بالقلب والوجدان واستهدى بالأدلة الكونية واسترشد بالآيات المقروءة والعجائب المنظورة يعترف لله الواحد القهار بالخلق كله ، ويؤمن بربوبيته وألوهيته كاملا ويخضع لأمره ونهيه ويجدد ولاءه وحمده وشكره له صباح مساء ، ويعتقد اعتقادا راسخا أنه من صنع ربه ولحمه نبت من رزقه وحياته تسير بحفظه وعنايته وماله من خزائنه وأولاده من فيض رحمته ونعمته ، ولا يستطيع أن يحرك ساكنا إلا بإرادته ومشيئته ” وما تشاءون إلا أن يشاء الله ” .
ولا يوجد في الكون إله أو عبقري أو عملاق يخلق نملة أو يصنع ذرة أو يحيي ميتا أو يجري هواء او يمطر من السماء إلا الخلاق البديع ودعنا نقوم الآن بتلاوة بعض الآيات المقروءة التي تؤدي إلى فهم الآيات المنظورة الدارجة على الأرض والسابحة في الجو ولكن الغائبة عن عقول وأبصار المتشدقين بالعلم والمتظاهرين بالفهم فوقعوا في جاهلية جهلاء ، وضلالة عمياء . ومنها قوله تعالى : “يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز” (الحج :74)
ومنها قوله تعلى : “أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين” (الصافات) .
التحدي السافر والمنة الكبرى
يقول الخلاق العليم في صورة التحدي السافر القائم إلى أن تنتهي الدنيا ، وفي معرض التذكير بمننه الكبرى على الخلائق : “أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ، والله يعلم ما تسرون وما تعلنون ، والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهو يخلقون أمواتا غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون” (النحل : 21). ثم يقول : “واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا ” (الفرقان : 3) . وأيضا يقول : “قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو إشارة من علم إن كنتم صادقين” (الأحقاف) .
ويدمدم القرآن الآذان الصاغية : “أم خلقوا من غير شيئ أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أو عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون” ! .