مكانة القرآن واللغة العربية في حياة المسلم
القرآن هو اللفظ العربي المنزل من عند الله فلا تصح كتبته أو تلاوته إلا بالحروف العربية
الخليج اليوم – قضايا إسلامية الخميس 1-يناير-1987
(دراسة وتحقيق)
من الحقائق الثابتة ، علما وتاريخا ، أن الجعات المتربصة لمواجهة المد الإسلامي منذ أت عرفت الأسرار الكامنة في رسالة الإسلام الخالدة العامة ، من الطاقات الذاتية والقدرات الكافية لاكتساح القارات والمحيطات واقتناص القلوب والألباب ، بمبادئها الإنسانية الفطرية وتعاليمها النبيلة ، تضافرت جهودها ، وتكاتفت أياديها ووضعت مخططاتها ، لزحزحة الإسلام عن موقعه الأصلي ، وتحويل المسلمين عن المصدر الحقيقي لمنهج حياتهم ، ففي مقدمة تلك المخططات المدروسة المحكمة ، انتزاع حبل الربط الوثيق بين القرآن الحكيم واللغة العربية التي أنزله الله تعالى فيها على خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، واستبدال حروفها العربية بالحروف اللاتينية ، ثم انتقاص مكانة هذه اللغة في قلوب المسلمين كوعاء أصلي وحيد للقرآن الكريم والعلوم الإسلامية ، وبالتالي تشتيت نصوص القرآن في أشكال ورسوم أبجدية مختلفة ، وتفريق أصوات ألفاظها في بحر من المخارج المختلفة واللهجات والنبرات المتعددة فتضيع في هذه المتاهات روح أصالة ألفاظ القرآن العربية التي نزلت من عند الله ، وروعة نصوصها التي ينوط بها إعجاز القرآن ، ويتعبد بها وحدها بالتلاوة وفي الصلوات.
وبما أن كتابة القرآن بالحروف غير العربية تمزق الوحدة الفكرية واللفظية القائمة بين المسلمين جميعا ، وتصرف المسلمين غير الناطقين باللغة العربية من لغة القرآن الأصلية وتحثهم على قراءة اللفظ العربي المنزل من عند الله بأبجديات لغاتهم العجمية ، فنظرا لخطورة بوادر هذه الطامة الكبرى أرى من الواجب تبصير المسلمين إلى مكانة القرآن ولغته العربية في حياتهم .
حقيقة اللغة
إن اللغة نعمة الله العظمى ، وميزة الإنسان الكبرى ، ولها قيمتها ف يجميع مجالات الحياة البشرية ، وهي الخاصية التي تميز بها الإنسان عن سائر الحيوان ، ولو أن البعض قد عدها وسيلة فإنها في الحقيقة غاية تدرس لذاتها وربطت بين الفكر والعمل ، ومن عناصرها ، والتفكير والصوت والتعبير عن الفكر الداخلي والعمل الخارجي .
وبفضل هذه النعمة قد أصبح الإنسان كائن مثاليا على وجه الأرض . فاللغة بمفهومها الحقيقي من خصائص الإنسان ، ولكنا نقرأ ونسمع عن لغات كثيرة لمخلوقات أخرى مثل :-
لغات النمل والطيور والحيوان والأسماك وغيرها ، وجاء في القرآن الكريم إشارة لبعض هذه اللغات ، حيث حكى عن نملة سليمان عليه السلام :”قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهو لا يشعرون فتبسم ضاحكا من قولها” وقوله تعالى عن الهدهد وسليمان عليه والسلام :”فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنيأ يقين” (النمل) .
وهذا يدل على أن مخلوقات الله الأخرى لغات تتخاطب بها ، ولكنها تختلف عن لغات البشر وأن لغة الإنسان مقرونة بالفكر في إصدار الأصوات وتلقيها ويحكمها العقل وينظم عملياتها ولا يجعلها أصواتا خالية من المعنى .
والنظام هو الذي يمنحها الثراء والفاعلية والتعبير عن الأهداف السياسية والذهنية المجردة ، ويتطور أمرها بتطور نضج الإنسان ونضج عقله وترقي تفكيره ، واللغة بهذا المعنى من خصائص الإنسان وحده دون سائر المخلوقات الأرضية الحية الأخرى .
وما أعظم منه من الله على الإنسان حيث يقول :”الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان” .
إن لغة البشر مقدرة على الإبداع والابتكار ، والمقاطع التي تنطقها هي تأثيرات صوتية تستقبلها الإذن لكنها مرتبطة بأعضاء النطق فلا تستطيع أن تعرف حركات الأعضاء النطقية إذا صرفنا النظر عن التأثير الصوتي .
والصوت – إذن – أداة للفكر : وأن للغة في كل لحظة نظاما ثابتا وحركة متطورة ، ولها في مجموعها أشكال كثيرة متضاربة لأنها في مجالاتها المتحدة : مادية وعضوية ونفسانية ، وكما أن اللغة – بصفتها المذكورة – من خصائص الإنسان فإنها غاية منشودة في حياته الفردية والاجتماعية .
مكانة اللغة العربية بين اللغات
إن اللغة العربية هي من أقدم اللغات وأغناها على الإطلاق ولأسرار وحكم يعلمها خالق البشر والقوى ، اختار هذه اللغة وعاء لكتابه الخالد ، كما أشار إليه قوله :”وإنه تنزيل من رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين” (الشعراء : 192 – 195) . وكانت اللغة العربية قد بلغت قبل البعثة المحمدية أوج كمالها في التعبير البليغ السامي عن جميع مقومات الحياة وأوج مجدها في الفصاحة ، والإنتاج الأدبي شعرا ونثرا ، وظهرت روائع إنتاجها في الأشعار والأمثال والقصص .
“مع نزول القرآن في هذه اللغة ارتفع شأنها وأصبحت اللغة السائدة في بلاد العرب والمسلمون ، وأن اللغة العربية فضلا كبيرا على نشر حضارة الفكر العربي الإسلامي وتقدم العلوم والفنون والآداب المختلفة ولأجل القرآن ظهرت علوم القرآن كلها كما ظهرت علوم اللغة والنحو والصرف والبلاغة التي كانت أساسا لتفسير نصوص القرآن وفهمها ، ومن أجله أيضا ظهرت علوم منهجية مثل علوم التاريخ والأخبار والأسانيد وغيرها ، كما تقدمت –تطبيقا لتعاليم القرآن- علوم كثيرة مثل الرحلات والجغرافيا والسير ، واستحدثت علوم الطب والكيمياء والاجتماع وعلوم أخرى تابعة لدراسة القرآن ، مثل التجويد والتلاوة إل جانب علوم عديدة إسلامية .
ويتضح من هذا كله مدى طاقة اللغة العربية لما تمتاز به “من قوة بيانها وأصالة ألفاظها وأصواتها وموسيقي كلماتها ووفرة معانيها ، ولما كانت العلوم الإسلامية كلها تقوم على المبادئ القرآنية والسنة النبوية فيجيب من مناهلها الفياضة الأصلية ألا وهي نصوص القرآن والحديث النبوي فلا يتحقق هذا الهدف المنشود إلا عن طريق اللغة العربية التي هي وعاءها الأصلي ، ولذا رجعنا إلى نصوص القرآن وجدنا أن اللغة العربية هي مركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن إذ جاء فيه :”إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون” (يوسف) ثم قال :”كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون” (فصلت : 3) وكذلك قوله :”أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها” (محمد : 24) .
وعاء القرآن والعلوم الإسلامية
وأن دراسة القرآن والحديث تحتاج إلى اللغة العربية لما فيها من معان سامية ومفاهيم أصلية وإذا قدمت معاني القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية مترجمة إلى اللغات الأجنبية فتعوزها روح الأصالة وروعة النصوص التي ينوط بها إعجاز القرآن وكذلك غزارة المعاني التي تمتاز بها اللغة العربية بين الشعوب الإسلامية في مقدمة الوسائل الفعالة التي تساعد على إيجاد التقارب الفكري بين الأمة الإسلامية لأنها تحمل في طياتها القيم الروحية التي يمنحها الإسلام لكل مسلم كما فيها روح الألفة والمودة والأخوة التي تربط بين قلوب المسلمين برباط وثيق ومنح الله سبحانه وتعالى للمسلمين هذه اللغة لتحقيق التفاهم والترابط بينهم في أنحاء الأرض بحيث يسعى كل مسلم لأن يقرأها ويفهمها بل ويتحدث بها وأنها أيضا الوسيلة الأولى لنشر الدعوة الإسلامية .
ومن هنا يمكن أن نقول إن اللغة العربية تربط بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها برباط فكري ولفظي لأن القرآن ليس مجرد مبادئ وتعاليم منعزلة عن الظاهر اللفظي وان إعجاز القرآن منوط باللغة العربية وان اللغة العربية بطاقاتها وتراثها ، لجديرة بأن تكون وسيلة للتفاهم بين الشعوب المسلمة في كل مكان ، وعونا على المحافظة على الوحدة الفكرية والمظهرية بين أفرادها وجماعتها ، وأن الوحدة الفكرية بين المسلمين تلعب دورا هاما في هذه المرحلة الحرجة الخطيرة التي يمر بها العالم العرب والإسلامي .
ويمكن تلخيص أهمية نشر اللغة العربية في البلدان الاسيوية والأفريقية والأوربية والأمريكية في النقاط التالية :
1 – ان هناك خطة خفية لنشر الفرقة بين المسلمين بالانتزاع من أيديهم جعل اللغة العربية الذي يعتصمون به جميعا ، فحينئذ يسهل تشويه تعاليم الإسلام بين من لا يعرفون اللغة العربية ، عن طريق كتب ومنشورات ومطبوعات عن الإسلام بغير اللغة العربية يراد بها القضاء على الإسلام معنويا وفكريا بتشويه تعاليمه وبث السموم الفكرية بين أتباعه .
2 – إن اللغة العربية تلعب دورا هاما وفعالا في مواجهة التحديات المعاصرة لأن انتشارها بين المسلمين المنتشرين في أنحاء العالم يساعدهم على نفسهم دينهم وتمسكهم بطاقتهم الروحية .
3 – إنها تساعدهم على استعمالها في التفاهم المتبادل فيما بينهم حتى يتيسر إيجاد تجاوب مشترك يمكنهم من مقاومة التخريب الفكري التي تمارسه الجهات المناوءة لتشويه تعاليم الإسلام الحقة وتقطيع ذلك الرباط الذي يربط بين أبناء الأمة الإسلامية برباط فكري وروحي .
4 – إن اللغة العربية هي وعاء القرآن الكريم ومركز الانطلاق إلى حظيرة القرآن والمنبع الأصلي للعلوم الإسلامية كلها كما أنها تساعد على توطيد ركن التعارف والتفاهم بين أبناء العالم العربي الناهض وبين أبناء البلدان غير الناطقة بها .
وجوب اختيار اللغة العربية الفصحى
يجب اختيار اللغة الفصحى منطلقا للتفاهم والتعامل بين العرب جميعا لعدو أسباب علمية وحضارية وعملية ومنهجية وفيما يلي مجموعة من هذه الأسباب .
أولا : إن العامية تختلف من بلد إلى بلد بل ومن منطقة إلى منطقة في كل قطر عربي وإنما هي صورة أو صور من الكلام تحمل ثناياها فوارق عديدة واختلافات شتى ، سواء في الحروف أو النطق أو التراكيب الكلامية بحيث تخلو من خاصة الوحدة اللغوية التي تمثل العرب من حيث المجموع كأمة واحدة ، ومن هنا تعجز هذه العاميات من سد حاجات المتعلمين الأجانب في الإطار العربي العام وتظهر هذه النتيجة واضحة حينما ينتقل المتعلم الأجنبي من بلد عربي إلى آخر بل ومن منطقة إلى أخرى في دولة عربية واحدة .
وثانيا : إن الفصحى هي التي تلبي أغراض المتعلمين الأجانب وتوفي بحاجاتهم على المدى البعيد والنطاق الواسع بحيث لا يصعب عليهم الاستماع إلى أي عربي وفي أي بلد والتفاهم معه في صورة موحدة أو شبه موحدة ، ولا يتعبون في فهم العاميات المختلفة ذات السمات المحلية الخاصة ببلد عربي دون آخر وأما الفروق الصوتية والاختلافات في نطق بعض الحروف فيستطيع المتعلم الأجنبي المتمكن في اللغة الفصحى العامة أن يدرك تلك الفروق بمجرد أن يستمع إلى الكلمة أو الجملة منطوقة في إطار القواعد العامة ، وأما العاميات فيحتاج الدارسون الأجانب لفهمها إلى أن يتعرفوا على المفردات والتراكيب المختلفة مع تحديد بيئة وبلد كل منها .
مخاطر العامية
وثالثا : اختيار العامية أو اللهجات المختلفة لتعليم العربية لغير الناطقين بها يضعنا أمام مشكلة كبرى عملية ، فأي عامية أو لهجة نختارها للتعليم العام ؟
فمثلا : هل العامية المصرية ؟ أو الجزائرية ؟ أو العراقية ؟ وما إلى ذلك ، وهذه التساؤلات تدل على صعوبة أو استحالة هذه المهمة ، ولو اخترنا نظام تقديم بعض اللهجات العامية إلى جانب الفصحى أو الفصحى لمجموعة والعامية لأخرى فإن هذا المنهج يؤدي إلى اضطراب في العملية “التعليمية” وعرقلة لاستمرار الوحدة المنهجية للتعليم في مراحله المختلفة ولو اخترنا عامية لسبب من الأسباب أو نظرنا لظروف خاصة لمجموعة من المتعلمين فتكون فائدتها مقصورة على فترات زمنية محدودة وعلى بيئات عربية ضيقة وعلى حالات معينة ، ولا يحقق هدفهم العام بعيد المدى من تعلم اللغة العربية .
ورابعا : عرفنا أن اللغة العربية الفصحى هي الوعاء الحقيقي للقرآن والسنة والعلوم الإسلامية فإن الدارسين للغة العربية من أجل فهم القرآن والعلوم الإسلامية ليواجهون مشكلات أسياسية كبرى وعديدة لو قدمنا إليهم اللهجات العامية أو الخليط منها ومن الفصحى ، وجدير بالذكر أن الفصحى ما زالت – ولا تزال – منهل العلوم والفنون والآداب على رغم الجهود الفاشلة لبعض الأشخاص المغرضين أو الجهات المغرضة ، لنشر العامية كتابة وقراءة والواقع إن اللغة العربية الفصحى ما تزال بفضل القرآن الكريم والعلوم الإسلامية والأدب العربي والإسلامي الرائع المدون في أمهات الكتب باللغة الفصحى القديمة والمعاصرة تنتظم مجموعة الخواص الأساسية للغة العربية فجميع قواعدها ثابتة ومحددة بحيث يسهل فهمها وتناولها والتعايش مع التدريبات اللغوية وفقا لقواعد الأعراب وقوانين نظم الكلام وأحكامه .
وخامسا : إن في اختيار الفصحى منطلقا لتعاليم اللغة العربية لغير الناطقين بها خدمة عظيمة للإسلام والمسلمين فإن الفصحى هي دعامة كبرى بوحدة كيان العالم العربي والإسلامي وفيه أيضا خدمة لمقوماته الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية ، وأن اختيار الفصحى في جميع مراحل التعليم فيه إنصاف لواقع العالم العربي الذي ينتظم تحت إطار واحد في العقيدة والدين واللغة والثقافة والتاريخ والموقع الجغرافي والمصير بصفة عامة ، وأن في تقديم العامية والدارجة في التعليم أم العمل لنشرها ، مجانبة للصواب ومخالفة للواقع المحسوس ، وأضف إلى ذلك أن اللغة العربية الفصحى إنما هي همزة الوصل ونقطة الالتقاء بين أبناء العالم العربي وبين مئات الملايين من المسلمين في البلدان غير العربية بصفة كونها لغة القرآن ولغة العبادات ولغة العلوم الإسلامية .
طريقة اختيار الفصحى ونوعيتها
وخلاصة ما تقدم وجوب الإصرار على تعليم اللغة العربية الفصحى لغير الناطقين بها ، بهدف الوصول إلى صيغة لغوية موحدة وعامة في الإطار العربي العام بحيث تنتظم الخواص العربية الأصلية المشتركة وتخلو بقدر الإمكان من الاختلافات المحلية الخاصة ببلد عربي دون آخر سواء في النطق أو اللهجات أو المفردات أو التراكيب ذات السمات المحلية .
ومن المعروف أن اللغة الفصحى أيضا في جميع لغات العالم ذات سمات وأشكال متنوعة من الأساليب وصور التعبير باختلاف العوامل والظروف المحيطة بها من بعد الفترة الزمنية وأسباب النمو والتطور ومن هنا يقال ، بتجاوز في التعبير ، أن هناك نوعين من الفصحى ، أما أولهما فالفصحى الكلاسيكية أي القديمة مثل فصحى العصر الجاهلي وما بعده التي فقدت الممارسة العملية لها أو قل استخدامها في مجالات الحياة اليومية ، وأما ثانيهما فالفصحى المعاصرة التي تعيش في مجالات الحياة عن طريق الاستعمال الواقعي بصورة أو أخرى وكلما بعدت الفترة الزمنية وكلما قلت الممارسة العصرية كانت النتيجة جفوة بين اللغة وأهلها وتفاوت درجات السهولة والصعوبة في فهمها واستخدامها اليومي .
ومن ثم ينبغي أن نضع في الاعتبار مجموعة من المبادئ العامة عند اختيار مادة اللغة الفصحى العربية لتعليمها سواء لغير العرب أو العرب أنفسهم .
ا- يجب اختيار فصحى العصر لتعليم العربية لغير أهلها ، إذا هي الصيغة الأسهل تناولها والأقرب منالا بحكم قربها الزمني ومعايشتها لمجالات الحياة اليومية ، وجدير بالذكر أن هذه الفصحى ما تزال تنطوي على جميع الخواص الأساسية للغة العربية ، بفضل القرآن الكريم ويقال في هذا المجال إن العرب يختلفون فيما بينهم بنوع ما في نطق الفصحى العصرية وفي بعض تراكيبها وصيغها ويمكن الرد عليه بأن هذا يمكن تناوله تناولا علميا وموضوعيا يصل بنا في النهاية إلى خطوط عريضة للغة مشتركة صالحة للتطبيق في العملية التعليمية على المستوى العربي العام . وأن اختيار مثل هذا المنهج ليكون أيضا عونا كبيرا على التوحيد أو التقريب بين الصور المتعددة كما أن فيه خدمة للقضاء على سطوة اللهجات العامية .
ويتحقق هذا الهدف المنشود بالالتجاء إلى الظواهر الصوتية التي يغلب استعمالها في الوطن العربي في عمومه مع مراعاة ما قرره الأقدمون من علماء اللغة في هذا المجال وكذلك يجب استخدام المفردات والتراكيب العامة التي يشيع استعمالها لدى العرب بصفة عامة ، عند وضع المواد المقررة في جميع المراحل وخاصة في المرحلة الأولى .
ب – اتخاذ طريق متدرج الخطوات ويبدأ بالعبارات والأساليب التي تقرب من لغة الحياة اليومية والذي يشيع استعمالها في شتى المجالات الاجتماعية وينبغي اليوم في اختيار المواد المقررة والنصوص المطلوبة نحو لغة الأدب والحديث والأسلوب المعروفة مثل مفردات وأساليب نشرات الأخبار والصحف المعتمد بها ، وأن اللغة الفصحى اليوم هي اللغة المكتوبة في أغلب أحولها .
ويجب اختيار هذه اللغة المكتوبة ذاتها أساسا عند اختيار المواد المقررة في مختلف المراحل التعليمية ، ولا ينبغي أن نهمل فصحى العصور القديمة ، وخاصة الزاهرة منها في العصور الذهبية للحضارة الإسلامية وهكذا يستطيع الدارسون الإلمام بصورة متكاملة للغة العربية في عصورها المختلفة وفقا لمنهج دراسي متطور حسب الأهداف والفترات المحددة لكل مرحلة تعليمية .
جـ – ينبغي أن تكون المواد المختارة ذات تنوع في المعاني وأغراض التعبير بحيث تصور الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وكذلك يجب أن توزع قواعد اللغة الصرفية والنحوية وغيرهما توزيعا عادلا مناسبا لكل مستوى ومرحلة وبالنسبة إلى التدريبات الصوتية يمكن أن توضح الصور النطقية الصحيحة قي تسجيلات صوتية تتخذ نموذجا يحتذي به ويلاحظ في اختيار الصور الصوتية أن تكون مفردات والتراكيب الصور الصوتية أن تكون مفردات والتراكيب مستعملة في أغلب البلدان العربية ومشتركة فيما بينها في الوقت الحاضر حتى تكون هذه المواد نموذجية ومعيارية وعصرية .
د – في ضوء هذه المبادئ الأساسية نختار بعض الآيات القرآنية التي تمد المتعلم بأفكار نافعة وثروة لغوية مفيدة ، وكذلك بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي تعد أيضا مصدرا غنيا في هذا الشأن ثم نورد أمثلة من أعمال المفكرين والكتاب والشعراء المعاصرين والقدامى من عصور العربية الزاهرة وكل هذا وذاك حسب حاجات المتعلمين أو تخصصاتهم ومستوياتهم المختلفة ، ومن المعروف أن هذا النهج ليكون مقصورا على دورات تعليمية متخصصة فتكون المادة المختارة في مجموعها هي الأساليب العلمية المتخصصة بهذا النوع أو ذاك .
ويمكن أن نطلق عليها الدورات التدريبية التخصصية ، وهي تختلف تماما في المدة والهدف عن النهج العام لهذه النوعية من التعليم ولا خير في هذه الحالة أن تكون المادة المختارة في مجموعها مقصورة على الأساليب العلمية المتخصصة .
وجوب الاهتمام بتعليم أصوات اللغة العربية
إذ أن الأصوات هي اللبنات الأولى للبناء اللغوي من المفردات والجمل والتراكيب والأساليب التي تشكل أية لغة في مجموعها .
وأن المتعلم الأجنبي لا يستطيع أن يستوعب ما يتعلم ويجيد نطقه بدون تعليم الأصوات أما قواعد أصوات الفصحى بصورها المختلفة فإنها مسجلة في كتب المحدثين والأقدمين جميعا ، ويتحتم علينا لا دائها العملي أن نلجأ إلى صورة مشتركة من النطق تمثل الخواص الصوتية للعربية الفصحى تمثيلا صادقا ، ولتحقيق هذات الهدف نستطيع مراجعة المجيدين من قراء القرآن الكريم والاستعانة من المتخصصين في اللغة العربية الفصحى بالنطق والأداء النموذجي .
ويجب أن نراعي في هذا المجال كل الجوانب الصوتية للغة بحيث يشمل الأصوات للمفردات والجمل والعبارات فكما أن لأصوات المفردات من الصحة الأداء فهناك حدود معينة لكل ما يتألف منها من جمل وتراكيب أو صيغ منها من واحدات لغوية ، وكما ينبغي مراعاة قواعد النطق والنبرات في الأداء الصحيح للكلمات والوقفات ودرجات وتوزيع الفواصل والوقفات ودرجات المد والشد وما إلى ذلك من القواعد المطردة في الجمل والعبارات ، ومن المعروف أن طريقة أداء الكلام والعبارات ومن المعروف أن طريقة أداء الكلام أو القائة في صورة معينة هي التي تكشف عن معانيها ومقاصدها الحقيقية وبعبارة أخرى أن معاني الجمل والعبارات تظهر وتتحدد بأدائها أداء صحيحا حسب خواص التركيب اللغوي وتوجيه مقامات الكلام وظروفه المختلفة.
وكان الناس يحرصون – مازالوا كذلك – عند الدخول في الإسلام على تعلم لغة القرآن إذ بها وحدها تصح تلاوته وقراءتها في العبادات ، ومن هنا نرى فحوى رأي الإمام الشافعي بأن تعلم اللغة العربية فرض على المسلمين .