الخليج اليوم – قضايا انسانية –18/11/1985
إن قادة الأمة ورؤساء القوم ، هم سادة المجتمع وأعيان البلاد فهم أصحاب النفوذ والجاه والسلطة . وأطلق القرآن على هذه الطبقة من الناس كلمة “الملأ” لأنهم هم البارزين في المجتمع وفي أيديهم قيادة الناس والرئاسة . وعلى الداعي المسلم أن يتبع في المعاملة مع هذا النوع من الناس مناهج الرسل الكرام ، مستنيرا بقصصهم الوارد في القرآن الكريم وبالسيرة النبوية . وفيما يلي بعض الآيات الدالة على ما جرى من “الملأ” من أقوامهم : ففي قصة نوح عليه السلام مع قومه يقول القرآن الكريم : “لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم . قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين ” .
وقال تعلى مخبرا عن الملأ من قوم عاد في معاملتهم مع نبيهم هود عليه السلام : “قال الملأ الذين كفروا من قومه إن لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين” . وفي شأن موسى عليه السلام مع فرعون وملئه قال الله سبحانه وتعالى : “ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين ، فقال أنؤمن لبشر مثلنا وقومهما لنا عابدون، فكذبوهما فكانوا من المهلكين ” .
وأن “الملأ” من قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قال الأولون لأنبائهم بل وأشد منهم . وقال تعالى عن المستكبرين عن التصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم : وقالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم . أهم يقسمون رحمة ربك ، نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا : وأن المعترضين على إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم تكبروا عليه واستصغروا شأنه فقالوا : لو كان إنزال القرآن على رجل عظيم في مكة أو في الطائف . ورد الله عليهم قولهم بأن الأمر بيد الله وهو يعلم حيث يجعل رسالته ويعلم من يستح لها ولنزول الوحي الإلهي .
مع قادة مكة ورؤساء قريش
ونرى في رؤساء قريش وقادة العرب بمكة صورة طبق الأصل للملأ من أقوام نوح وهود وموسى وغيرهم من الأنبياء والرسل عليهم السلام السابقين ، في التكبر عن التصديق بالحق ، ومخالفة الرسل ، واستصغار ضعفاء المؤمنين . وقال رؤساء قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم استكبارا واستصغارا للذين آمنوا بالرسول في أول الأمر ، مثل عمار بن ياسر ، وبلال الحبشي وصهيب الرومي ، لله لا نرضى أن نكون مع هؤلاء الضعفاء فاطردهم عنك إذا دخلنا مجلسك فإذا فرغنا من الحديث معك والسماع منك وخرجنا فأدخلهم إن شئت ، فأنزل الله تعالى قوله : “واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ” .
وقال تعلى أيضا عن أولئك المتكبرين الذين طلبوا ذلك ” ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا” .
وليس هذا بدعا في تاريخ الأنبياء فقال قوم نوح من أتباعه : “ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين” . وقد فات لهؤلاء وأولئك أن الأراذل في الحقيقة هم المخالفون للحق جهلا وعتادا وإن كانوا في الظاهر من كبار القوم . وأن الشرف في اتباع الحق وخدمة الخلق ، كما قيل : سيد القوم خادمهم ! .
لا يخلو مجتمع من هذا النوع
وإذا نظرنا إلى تاريخ الأمم والشعوب في مختلف الأزمنة والأمكنة ، نرى أن مجتمع لا يخلو من هذا النوع من الناس ، ويقفون عالبا في وجه دعوة الحق والدعاة إليه ، إما بدافع من الكبر أوجب الرياسة ، أو سبب الجهل والغباوة أو بتقليدهم الأعمى لآبائهم وأجدادهم ، فعلى الدعاة مواجهتهم مستنيرين بمناهج رسل الله الكرام .