الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الاثنين 7-يوليو-1986 م
لقد وضع القرآن الكريم أساسا ثابتا لقيام نظام علمي مدروس لمنهج الإعلام الإسلامي بوسائله المختلفة ، وأشار القرآن إلى ضرورة قيام نظام إعلامي منهجي لنشر الدعوة الإسلامية على المستوى العالمي في جميع الأزمنة والأمكنة والظروف ، ولا يمكن تحقيق هذا النشر العالمي الدائم إلا بواسطة إعلام منهجي مدروس قائم على أسس ثابتة ، إن الإعلام والدعوة والإرشاد والتبليغ والإبلاغ فكل منها مصطلح متقارب المفاهيم ومتجانس الأساليب ومتفق الأهداف والغايات مع تطابق الوسائل وتوافق العناصر الجذرية لكل منها .
إن عناصر الإعلام هي التي تحدد تقريبا وسائله وأساليبه فإذا انتقلنا إلى عناصر الإعلام في القرآن أي موضوعه فنرى أنه تدور حول العناصر الثلاثة وهي العقيدة والشريعة والأخلاق العامة ، وجاءت الآيات القرآنية والسنة النبوية كلها لشرح وتوضيح هذه العناصر الثلاثة بأساليب وطرق مختلفة وقد ألزم الإسلام أمته بإبلاغه في كل زمان ومكان .
وإذا كان موضوع الإعلام في القرآن هو تبليغ رسالة القرآن للبشرية جمعاء فينبغي أن تكون أساليب ذلك الإعلام أيضا مطابقة لطبائع وظروف وبيئات ومستويات البشرية في مختلف الأزمنة والأمكنة ومواكبة لتطورات العصور وتقلبات الأمور ، في ضوء المستحدثات من الخبرات والدراسات والاكتشافات .
ومن الوسائل الإعلامية الرئيسية المعاصرة للاتصال الجماهيري هي : المقروء ، والمسموع ، والمرئية ، وقد أشار القرآن الكريم في أول ما نزل منه إلى هذه الوسائل الثلاث إذ قال : “اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم” (العلق : 1-5) . فإذا كان الأمر بالقراءة علنا على الملأ كافة يشير إلى الوسائل المسموعة كلها فإن الإشارة إلى التعليم بالقلم والإشادة به ويشمل جميع الوسائل المكتوبة المقروءة المرئية من كتابة الرسائل والكتب والرسوم والمنشورات والإعلانات بل وكل ما يسطر بالقلم كما أشارت إليه سورة القلم التي نزلت بعد العلق مباشرة “ن والقلم وما يسطرون” (القلم : 1) .
وضع القرآن الكريم بكل صراحة ووضوح أساليب إيجابية هادفة ملزمة في فن الإعلام الإسلامي أو الدعوة الإسلامية في اصطلاح القرآن الدقيق ، نبراس هذه الأساليب قوله تعالى : “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظ الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ، وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهم خير للصابرين ، واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ، ولا تك في ضيق مما يمكرون ، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنين” (النحل : 125-128) .
وتستفاد من هذه الإرشادات القرآنية أمهات الأساليب القرآنية في الإعلام ، التي ينبغي السير عليها في مجال نشر دعوة الحق وإبلاغ رسالة الخير إلى الناس في كل زمان ومكان وبيئة منها : (1) مراعاة كل في مخاطيتها حسب مستواها الفكري والثقافي وموقفها العام مع الحق ورغبتها في معرفته واتباعه ، (2) اتباع نظام التدرج والتبسيط ، والتبشير والتقريب وتأليف القلوب ، (3) الاتصال بالحكمة والموعظة الحسنة والترغيب ، (4) إجراء الحوار والمناقشة والمناظرة والمجادلة بطريقو هادفة وهادئة بالحسنى الاحترام لأحاسيس وعواطف الآخرين بكل دقة وعناية ، (5) التزام الصبر والمصابرة في كل الأحوال والظروف وعدم الوقوع في المتاهات وسفاسف الأمور وصغائر الأشياء ، (6) استعمال أسلوب التواضع والحب والاحترام ومخاطبة الضمير الإنساني والكامن في كل فرد على الفطرة السليمة ، (7) التمسك بالأخلاق الفاضلة والمعاملة الكريمة في جميع مراحل حياته وإشعار المخاطب بإخلاصه في مهمته وعدم رغبته في تحقيق أي مآرب ذاتي له من القيام بهذه الدعوة ونشرها إلا أداء واجبه نحو ربه ودينه وإخوانه ، (8) إيثار السلم والسلام وعدم العدوان التعاون على البر والتقوى والعمل للصالح العام ، (9) تجنب الخلاف والفرقة والبعد عن مواقع التهم وتطهير قلب الداعي من جميع أنواع التعالي والتعاظم والرياء ، (10) استحضار الأمل والرجاء في قلبه دائما وإبعاد الخوف واليأس من نفسه والاستذكار بأنه يقوم بخدمة جليلة بما ينفع البشرية كلها ، وأنه يثاب عليه مهما كانت الاستجابة من جانب المدعوين وأنه ينال مرضاة الله تعالى لما قام به من جهود وجهاد في سبيل إعلاء كلمته ولتعريف الناس ما قدمه الله لهم من خير في هذا الكتاب العظيم الذي أنزل نورا وهداية ، ويتذكر دائما هذا التوجيه القرآني المذكور “واصبر وما صبرك إلا بالله ، ولا تحزن عليهم ، ولا تك في ضيق مما يمكرون” .
إن الالتزام بأساليب ووسائل الإعلام التي جاءت في القرآن ، يجب أن يكون معيارا أساسيا لتخطيط نظام إعلامي إسلامي عاملي .