الخليج اليوم – قضايا إسلامية الثلاثاء 4-نوفمبر -1986 م
إن تأمل الباحثون المنصفون والمؤمنون المخلصون في الملابسات والحيثيات التي سبقت وصفه تعالى أمة الإسلام بأنها خير أمة أخرجت للناس يتبين لهم أن هذا الوصف وذلك الحكم قد صدر عن خالق البشر والقوى بعد أن بين في كتابه الحكيم قبل إعلان هذه القضية ، مقدمات ومواصفات يجب أن تتوفر في أفراد هذه الأمة لكي تتصف بها ، ثم تستمر في الالتزام بأداء وظائفها الخاصة بدقة وأمانة ومواظبة وعناية وينبغي لنا أولا أن نفهم جيدا سياق هذا الإعلان القائل : “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” (آل عمران : 110) .وقد سبق هذا الإعلان بيان تمهيدي وتذكير إيضاحي في السورة التي سبقت آل عمران ، وهي سورة البقرة ، وأن الإعجاز القرآني لمنوط بكل ما يتعلق بهذا الكتاب الحكيم من لفظ ومعنى وترتيب السور والآيات وذكر الأحداث والأحكام لأت الترتيب على هذه الشاكلة في تقديم سورة على أخرى ووضع آيات قبل آيات في نفس السورة ، إجراء توفيقي أو بالوحي الإلهي فكان جبريل عليه السلام ملك الوحي الأمين ، يشرح للرسول صلى الله عليه وسلم كلما تنزل عليه سورة أو آية ، مكان وضع كل منها في سورة كذا أو بعد آية كذا ، بأمر من الله سبحانه وتعالى وذلك لحكمة أرادها ولبيان ارتباط كل حكم أو قضية أو قصة وردت في كل سورة أو آية ، بما قبلها وبما بعدها ، وبالتالي يتبين للمؤنين بهذا الكتاب والعاملين بمقتضيات والداعين إلى اتباعه ، الميزة الفطرية والفائدة العملية والعلمية الكامنة في هذا الترتيب والتنسيق والتركيب الإلهي في محكم تنزيله هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان .
وأما الحيثيات التي سبقت إعلان خيرية أمة الإسلام فهي الآية المذكورة في سورة البقرة فتقول : “وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ، ويكون الرسول عليكم شهيدا ” (البقرة : 143) . وقد بين الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم خلاصة مغزى هذه الآية إذ قال : “خير الأمور أوسطها ” ومن المعلوم فطرة وعادة ونظرية فلسفية وحكمة علمية أن الوسطية أي الاعتدال هو خير الأمور وخير الأشياء في كل مرفق من مرافق الحياة البشرية الحسية والمعنوية والعلمية والقولية وهو الطريق المستقيم وكما أن الخط الوسط هو الخط المستقيم في العلوم الهندسية كلها وأما الخطوط المنحرفة عن الوسط فكلها أطول وأبعد عن الاستقامة ودين الإنسانية كلها فيدعو إلى التزام الوسطية في كل المجالات ويقاوم الانحراف والإسراف والإفراط والتفريط في أي شيئ سواء في المأكل أوالمشرب حيث يأمر : “كلوا واشربوا ولا تسرفوا ” أو في الإنفاق : “والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما” أو في الكلام : “ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا” وهكذا تمسك هذه الأمة بالاعتدال والوسطية في كل شيئ وترفض الإسراف والتقصير والإفراط والتفريط فصارت هذه الوسطية مؤهلا لخيريتها ، فكلما تتخلف عن هذا المؤهل اللازم وتفقد هذه الحيثية التي كسبت لها هذا الحق وذاك اللقب لن يكون لها الاستحقاق لحمل هذا الوسام الرفيع النبيل وبالتالي تكون محرومة عن اقتطاف قطوف الخيرية التي أعدها ووعدها رب الناس لخير أمة أخرجت للناس !
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
” ولا تهنوا ولا تحزنوا أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين” (آل عمران : 139) .
من الهدي النبوي
قال النبي صلى الله عليه وسلم : “من دل على خير فله مثل أجر فاعله” (رواه مسلم) .
من الأدعية المأثورة
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : “اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى” (رواه مسلم) .