المدينة – 18 ربيع الأول 1400
يمتاز هذا الشهر من بين الشهور العربية الأخرى بالمشاهد التاريخية التالية :
1 – ولادته صلى الله عليه وسلم : كانت ولادته في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول الموافق (20 أبريل سنة 571 من ميلاد السيد المسيح عليه السلام) .
2 – هجرته صلى الله عليه وسلم : وتمت هجرة الرسول إلى المدينة في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة ، إذا بلغ فيه منطقة “قباء” بحدود يثرب “المدينة المنورة” بعد مسيرة ثمانية أيام من مكة ..
3 – وفاته صلى الله عليه وسلم : وقد فاضت روحه الطاهرة بعد أن أدى رسالته على الأرض ، وقد بلغ الثالثة والستين من عمره ، في الثاني عشر من شهر ربيع الأول (في السنة الحادية عشرة من الهجرة وسنة 632م) .
ومن الأشياء العجيبة أيضا أن هذه المشاهد الثلاثة قد وقعت “يوم الاثنين” وفي هذه المناسبة التاريخية الهامة ، دعنا نلقي ضوء كاشفا على بعض الملامح اللطيفة من ذكرى الرسول العربي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .
كانت ولادته عند طلوع الفجر ، في دار عمه أبي طالب بمكة ، ولما ولد أرسلت أمه آمنة بنت وهب ، لجده عبد المطلب تبشره ، فأقبل مسرورا وسماه محمدا ، ولم يكن هذا الاسم شائعا من قبل عند العرب .
وقد عاش صلى الله عليه وسلم يتيما ، بين أهل الوثنية وأهل الأصنام ، غير أنه مع ذلك لم ينم ويتكامل بدنا وعقلا وأدبا حتى عرف بين أهل مكة بلقب الأمين ، وقد حفظه الله منذ صغره من سائر أعمال الجاهلية ، مفطورا على محاسن الأفعال ومطبوعا على كريم الأخلاق ، فلما بلغ خمسا وثلاثين سنة حدثت حادثة تبشر بمستقبله العظيم فنشب خلاف شديد بين أشراف قريش حول وضع الحجر الأسود موضعه بعد تجديد بناء الكعبة إثر سيل جارف ، حتى كادت تشب بينهم نار الحرب ، كان أحدهم قد اقترح حلا وسطا قبله الجميع ، فقال : يا معشر قريش : اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد – المسجد الحرام – حكما ليقضي بينكم” ، فكان أول من دخل عليهم هو “محمد” فلما رأوه قالوا :”هذا الأمين هذا محمد ، قد رضينا به” ، فلما أخبروه الخبر قال لهم “هلموا لي ثوبا” فأخذ الحجر الأسود ووضعه فيه ، ثم قال :”لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم رفعوه جميعا ، ففعلوا ، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه بيده ، وهكذا قضى على شبح الحرب من بين قريش .
ولما بلغ صلى الله عليه وسلم أربعين سنة اختاره الله نبيا ، وأنزل عليه الوحي وهو في غار حراء ، وكان بدء نزول الوحي عليه يوم الاثنين 17 رمضان الموافق 6 من أغسطس 610م وأول ما نزل علبه قوله تعالى :”اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم” .
وأول من آم به من النساء زوجته خديجة بنت خويلد ، ومن الرجال أبو بكر بن أبي قحافة ، ومن الصبيان علي بن أبي طالب ، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة ، يدعو الناس إلى رسالته بالحكمة والموعظة الحسنة .
ومكافحة الشرك والكفر في وجه عداوة قريش وعنادها ، وبعد أن اشتدت عداوتها وقررت القضاء عليه وعلى دعوته ، خرج مهاجرا من مكة إلى المدينة ، فكانت هجرته نقطة تحول في تاريخ الدعوة المحمدية ، لأن حادثة الهجرة نواة لنشر صوت الإسلام إلى خارج جزيرة العرب ، وبداية لقيام المجتمع الإسلامي وقاعدة لتأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة واستكمال التشريع لها ونظرا لأهمية هذا الحدث ، بدأ به التاريخ العربي والإسلامي .
واستمر لنبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين بعد الهجرة في أداء رسالته وقد كان الانتقال من مكة إلى المدينة بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة ، واشتدت الخصومة بين دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ومناهضيها اشتدادا عنيفا ، فبينما استفحل عداء المشركين من ناحية تزايد عداء المنافقين واليهود من ناحية أخرى ، وأصبحت الحال تنذر بخطر محدق ، فلم يبق أمام النبي واتباعه ، إزاء تلك الحالة إلا وضع الخطط الدفاعية لإحباط المؤامرات المختلفة فوقعت غزوات وحروب غيرت وجه الزمن وحولت معالم الدنيا وأتت نظم وأساليب إلى حيز الوجود ، وهكذا أدت الهجرة إلى فتح مكة وانتشار صوت الإسلام في أرجاء العالم ..
وفي السنة العاشرة من الهجرة أدى النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وألقى خطبة الوداع المشهورة أمام “مائة ألف” أو يزيدون من اتباعه الذين جاءوا لأداء فريضة الحج في تلك السنة ، وبعد الانتهاء من خطبته نزل عليه الوحي بالآية :”اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” ، فكان هذا اليوم عيدا أكبر وعاد النبي إلى المدينة بعد أن بلغ الرسالة ودخلت بلاد العرب جميعا في دين الإسلام …
وفي يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من الهجرة اشتد عليه المرض ، وفاضت روحه الطاهرة ، وانتشر خبر وفاته ، واشتد الهول بين المسلمين ، فخرج أبو بكر الصديق ، على الناس ، وأعلن :”يا أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي ولا يموت” ثم تلا قوله تعالى :” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فإن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين” .
وقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين سنة ، قضى منها أربعين سنة قبل النبوة ، وثلاث عشرة سنة في مكة بعدها ، وعشر سنين في المدينة بعد الهجرة وقد اتفق أن يوم ولادته وهجرته ووفاته هو يوم الاثنين ، في الثاني عشر من ربيع الأول ، وفي رواية لأحمد والطبراني عن ابن عباس قال :”ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبي يوم الاثنين ، وخرج مهاجرا يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين ، وانتقل إلى جوار ربه يوم الاثنين ” …