الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الاثنين 24-فبراير-1986 م
لقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم الذي أنزل هاديا ومرشدا ودستورا خالدا ، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة من أسباب الهداية ووسائل الرشاد للإنسان ، في حياته الدنيا وفي حياته الأخرى التي هي خيرر وأبقى ، إلا بينها فيه بوضوح وجلاء ويسر وسهولة رحمة منه على عباده ، بين أنه خلق الجنة بمحض فضله وكرمه وخصصها لعبادة فقط ، وأما من خرج عن دائرة عباده فليس له نصيب منها فقال هاديا ومرشدا : “يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية ، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” .
وأن الدخول في دائرة عباد الرحمن هو الوسيلة إلى دخول جنة الرحمن ، وأما النداء الموجه من صاحب الجنة إلى الذين “سيسمح لهم للدخول فيها فهو قوله : “فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” .
ومن المنطق والطبيعي أن أي مالك أو صاحب لجنة أو حديقة أو مكان ذي شأن وفرح ومتع لن يسمح للدخول فيها وخاصة للإقامة فيها والاستمتاع بلذاتها إلا للذين يحبونه ويكنون له الود والاحترام ، وهل يتصور أن يسمح للدخول إليها خصومه من أعدائه أو جاحدي نعمائه أو منكري كرمه وفضله ؟ .
الجنة لعباد الرحمن
وقد تبين لنا من مفهوم الآية المذكورة ومنطوقه أن الجنة مخصصة لعباد صاحبها وخالقها ومالكها ، فمن الفطري أن يسأل كل عاقل له بريق من الوعي والهداية ، كيف أدخل في رمزه هؤلاء العباد الذين وجه إليهم رب العالمين هذا النداء الرباني : “فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” . فهنا ظهرت رحمة رب العالمين في أوضح صورة وأسهلها للفهم الإدراك إذ بين الصفات الكاملة الشاملة لهؤلاء ، بدون لبس ولا عسر ولا غموض حيث بقدر كل إنسان أن يتصف بها ويجني ثمارها كاملة غير منقوصة بعونه تعالى ومحض فضله ، وها هو ذا يفصل مقومات عباد الرحمن الذين أعدت لهم تلك الجنات النعيم ، في 12 آية في آخر سورة الفرقان :
” وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ، والذين يقولون ربنا اصرفف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ، إنها ساءت مستقرا مقاما ، والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ، والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ، ومن يفعل ذلك يلق أثاما ، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ، إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ، ومن تاب وآمن وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ، والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ، والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ، والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما” .
وبعد ذكر هذه الصفات ومكارم الأخلاق التي يستحق بها العبد للاندراج في زمره عباد الرحمن ، وتؤهله لكي يسير على درب جنته بإذنه وكرمه قد أكد ذكر بكل وضوح وتبيان : “اولئك يجزون الغرفة (أي الجنة) بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما ، خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ” . فما أجل هذا الكرم ؟ وما أجزل هذا الجزاء ؟ .
غاية الرسالات والأنبياء
إن الكتب والشرائع السماوية كلها تنزلت ، وأن الأنبياء والمرسلين قد جاؤوا لتعليم الإنسان طريق الوصول إلى الجنة ، وهذا هو الصراط المستقيم المؤدي إلى الهدف المنشود وتحذيره وإبعاده عن الطرق المنحرفة والمعوجة التي تبعدهه عن جادة الطريق وترديه إلى الهاوية أو تبقيه في التيه والحيرة والضلال . وقد حدد القرآن الكريم الغاية القصوى من خلق الإنسان بقوله : “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” . وقد خلقه ونفخ فيه من روحه ، ورزقه ورباه واصطفاه دون الملائكة ليكون خليفة في الأرض ، وعلمه طريق الوصول إلى درجة عبادة الصالحين الذين خلق لهم الجنة جزاء وفاقا ، وبين له طرق العبادة كلها وفرائضها وأركانها ومناسكها وأرسل إليه الأنبياء والكتب لكي يسير في هذه الحياة على هدى وبصيرة ، ووهبه عقلا وفؤادا ونورا مبينا حتى يصل إلى درب الجنة ويدخلها راضيا مرضيا ، وقد ورث الفردوس وو خالد فيها .