الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 26-فبراير-1986 م
لقد كثر الكلام في هذه الأيام عن مكانة إطاعة الرسول في العقيدة الإسلامية ومكانة السنة من القرآن ومكانتها في دستور الإسلام وما إلى ذلك من التساؤلات أحيانا وإثارة الشبهات أحيانا أخرى ، بصدق النية تارة وصوء القصد أخرى ، ويتطلب هذا الموقف من كل مسلم صادق وعالم باحث أن يسعى جاهدا المهرفة الحق والحقيقة في هذا الموضوع بعقل سليم ووعي كامل وإخلاص تام ، لأن المسألة هامة وخطيرة والإجابة صعبة ودقيقة ، فلننظر الآن إلى الموضوع من زاوية الشرع ومن زاوية العقل ، لكي نتوصل إلى الحق الذي نبتغيه والحقيقة التي نتوخاها ، في هذه القضية وفي كل القضايا الإسلامية ! .
الغاية من بعثة الرسول
إن غاية وجود أو إيجاد أي شيئ هي التي تحدد مكانته وتوضح ضرورته وتعين موقفه من الأشياء الأخرى ، وأما الغاية المنشودة من إرسال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فقد أعلنها وبينها رب العزة وخالق الكون وباعث الرسول في كتابه المحكم الخالد بيانا وتبيانا للعالمين فقال : “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ” (الجمعة : 2 ) . وقال أيضا : “هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ” (الفتح : 28) .
ويتبين من الآية الأولى بكل صراحة ووضوح أن مهمة الرسول التعليم والتزكية فهو المعلم والمزكي ، وأما الآية الثانية توضح أنه صاحب الهدى ودين الحق ، فمن الطبيعة والفطرة أن الشخص العاقل الذي يرغب تعلم الحق وتزكية نفسه واتباع الهدى والسير في طريق الحق إنما يلتجئ إلى المعلم والمزكي ليغترف من مناهله ويتلقى من يديه الهدى ودين الحق ، وأما الذي يدعي أنه يتعلم بنفسه بدون معلم ومصدر أو يزعم أنه يزكي نفسه بلا واسطة نبي ورسول ومعلم فإنما يعادي الفطرة ويناقض الطبيعة ، إلا أن يتردى في درك ادعاء تلقي الوحي من السماء ، أو في منزلة مسلوب العقل وخاوي الذهن ! وتأكيدا للغاية المنشودة من بعثة الرسول هاديا ومعلما ومزكيا قد أوجب الله تعالى إطاعة الرسول على كل مؤمن في كل ما صدر عنه من قول أو فعل أو تقرير لأن الأمر بإطاعته عام وشامل وجازم إذ قال : “قل أطيعوا الله والرسول ” (آل عمران : 3) . وقال أيضا : “وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون” .
دستور الإسلام القرآن والسنة
ويزعم البعض جهلا أو جحدا أن القرآن وحده يكفي للتشريع الإسلامي ولتنظيم الحياة الإسلامية للإنسان بدون أية حاجة إلى السنة النبوية وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن هذا الزعم باطل أولا من منطق العقل ومنهخج التربية الصحيحة لن التطبيق العملي لأية فكرة أو نظرية يحتاج إلى مبين يبين له كيفية تطبيقه ومدرب يتلقى منه النموذج التطبيقي إلا إذا لم تكن تلك الفكرة أو النظرية مجرد أفكار و آراء تحفظ في الأذهان ولا دخل لها في مجال الحياة العملية للإنسان وليس هذا هو شأن النظام الإسلامي وإنما هو نظام عملي وواقعي يطبق في جميع مرافق حياة الإنسان في جميع مراحله وأطواره ومن هنا علم القرآن منزلة الرسول منه فقال : “وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ” (النحل : 44) وقال أيضا : “وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه ، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون” (النحل : 64).
وما دام النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله ومفسره بأقواله وأفعاله وتقريره ، وأن قدوته الشخصية هي النموذج للتطبيق العملي لمبادئ القرآن وتعاليمه ، كما نص عليه القرآن أيضا : “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ” . ثم قال : “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا” .
وأما من حيث الحكم الشرعي فقد أجمع الصحابة والسلف الصالح وأئمة المسلمين وعامتهم على كون السنة المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بجوار القرآن الكريم وأن الدستور الإسلامي يتكون من الأصلين هما : القرآن والسنة فالقرآن كتاب الله والسنة بيان عملي له ، وأما الذي يزعم الاستغناء عن السنة في الإسلام أحرف تشريعه فيناقض حكم العقل ويخالف القرآن والسنة وإجماع الأئمة .
لولا السنة ما عرف المسلمون كيفية الصلاة وأحكام العبادات
وتحقيقا لإرادته تعالى تفضيلا لأمره في كتابه إذ قال : “لتبين للناس” جعل الله تعالى مهمة بيان صفات العبادات وتفاصيل أحكام المعاملات والمحرمات والحدود والعقوبات وغيرها مما يجب العمل به في النظام الإسلامي ويكتمل به تشريعه لرسوله الذي هو المفسر العملي لكتابه ومن مهمة الرسول بيام لما أجمل في القرآن وتفسير لما جاء فيه من أحكام وكذلك تشريع أحكام أخرى لم ينص عليها القرآن الكريم فقد ثبت أكثر الأحكام التشريعية فيما يتعلق بالعبادات مثل الزكاة والحج والمعاملات التجارية والميراث والنكاح والطلاق وغيره بالسنة فقط ، ومن أين وكيف ثبتت وتبينت أوقات الصلوات الخمس وعدد ركعاتها وكيفياتها ، وتفاصيل مقادير الزكاة وأحكام الصيام وشعائر الحج ومسائل البيع والإرث والقصاص وغيرها من دعائم الشريعة الإسلامية ؟ .