الوسيلة مارس 1952م
إن العالم الحاضر يجتاز مرحلة من أخطر المراحل في تاريخه وهو الآن على فوهة من البركان لا يدري أحد متى ينفجر هذا البركان ويتدمر العالم الإنساني مع حضارته واختراعاته وتمدنه واكتشافاته ، أن السبب الوحيد لهذه المشاكل كلها هو رغبة الاعتداء من القوي على الضعيف والغني على الفقير والذكي على الغبي ، وشرع أن يفكر الزعماء والقادة في جميع أقطار العالم لوضع حد لهذه العقلية الطائشة التي تؤدي بالنوع البشري إلى الدمار والخراب وأخذوا يدعون الناس إلى ضرورة الوحدة والتحالف والتضامن ولكن لا يخفى على من له إلمام عن عقلية هؤلاء القادة وعن غاياتهم من وراء ذلك كله أنهم ليسوا مخلصين في محاولاتهم هذه ولم تسلم أفكارهم وعقولهم من العصبيات والأطماع فإذن لا خلاص لهذا العالم الزاحف بالتقلبات المليء بالأخطار إلا فكرة إنسانية عامة متكاملة لهي الفكرة التي دعى بها محمد بن عبد الله خاتم رسل الله عليه صلوات الله وسلامه قبل أربعة عشر قرنا ولا تنحصر أهدافه هذه النظرة العامة – نظرة الإسلام – نظرة الإنسانية في جامعة عربية أو إسلامية أو في حلف الأطلنطي وما إلى ذلك بل هدفها الأول تأسيس جامعة إنسانية عالمية ، إن بناء الإسلام مبني على أساس التوحيد ، لا على التوحيد بالله فقط بل التوحيد في العقائد والعبادات وأصول جميع الأديان والأنبياء حتى يؤدي إلى وحدة إنسانية تحت راية العدالة والمصالح العامة ، والتعاون والتضامن الفطريين والإنسانيين لأن الإسلام دين فطرة شامل لأصول جميع الأديان السابقة عنه ومعترف كل الاعتراف بكل رسول ونبي من آدم إلى محمد خاتم رسل الله عليه السلام ويعلن بكل قوة وصراحة أن مثل الأنبياء الذين جاءوا في مختلف الأزمنة والأمكنة والبيئات كمثل الولاة في الدولة الواحدة وكذلك مثل الأديان المختلفة في بعض الأمور الفرعونية – كنسخ دين متأخر دينا متقدما عنه في الزمان كمثل التعديلات في القوانين الدولية فقط – وإن أمة الإسلام هي الجنس البشري كله ولا يوجه دعوته إلى جنس خاص ولا طائفة معينة ولا لبلد دون آخر “قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا”و “يا أيها الناس إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ، الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى ، ولا فرق تحت راية الإسلام – في إقامة العدالة التامة وإقرار الأمن والطمأنينة وفي نشر العلم والثقافات ومنع الظلم والاعتداءات على النفس والمال والعرض – بين شخص يعتنق تعاليمه الخاصة وبين من يعتنق دينا آخر وإن الهدف الأول من تعاليم الإسلام تحقيق الوحدة الإنسانية مع انتشار الأمن والطمأنينة والرفاهية في العالم كله وينظر إلى كل إنسان قبل كل شيء من حيث أنه إنسان لأن الإنسانية فوق كل اعتبار في نظر الإسلام بل الإنسانية الحقيقة الكاملة هي وحدها الإسلام …