الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 10-ديسمبر -1986 م
من المعلوم عقلا وعرفا أن شكر المنعم من مقتضيات الطبيعة الكونية ومتطلبات الضرورة الفطرية لأن المنعم إذا أدرك بأن الذي ينعم عليه يذكره ويشكره فيشعر بقيمة النعمة التي قدمها بنفسه وأنها وصلت المكانة اللائقة بها وتلقاها مستحقوها وصارت مفيدة ونافعة ولم تضع ولم تذهب سدى ، وأن هذا الشعور يشجعه على مزيد من إسداء النعم وتقديم الكرم والقيام بأعمال الخير والجود والسخاء ، هذا إلى جانب رضائه النفسي تجاه المنعم عليه واستعداده لأن يقدم إليه المزيد ، وإذا كان الأمر معكوسا فلم يحس بذكر وشكر من جانب المنعم عليه ما قدمه من عطاء ونعمة يشك في قيمة العمل الذي قام به ولا يتأكد بأن ما قدمه من معروف وأعطاه من نعمه قد وصل إلى جهة الاستحقاق وأنها صارت نافعة ومجدية فيفقد الثقة بنفسه ، ويتسرب اليأس والوهن إلى ذهنه حول حسن تصرفه وجدوى عمله ، وبالتالي إما يستنكف عن تقديم نعمة مماثلة بطريقة سابقة ، أو يتخلى عن مثله خوفا عن وصوله إلى جهة الاستحقاق وضياع الجهود ، أو يأسا من الجحود والنكران والنسيان الذي لاقاه من جهده وعطائه .
وهكذا صار نسيان شأن المنعم ونكران نعمته ، من جانب المنتفعين بها ، سبب لتثبيط همة المنعم وإمساكه عن إسداء النعمة في المستقبل لأمثاله ، فتكون النتيجة الحتمية النهائية لهذا النسيان ، زوال هذه النعمة الحالية وحرمانها في المستقبل ، مع كونه هذا الناسي الجاحد محل الكراهية والنفور عند المنعم ولدى كل من كان يستفيد من تلك النعمة التي قد زالت الآن بسبب جحوده وكفرانه ، ولهذا قد كان شكر المنعم من أوجب واجبات الإنسان العاقل وألزم الأمور لاستمرار النعم ودوامها وازدهارها ، وهذه القاعدة الفطرية العامة تجري في حق الله تعالى خالق البشر ومانح الآلاء التي لا تعد ولا تحصى وفي حق العباد جميعا ، وقال رب العزة في محكم كتابه بكل صراحة وهداية ووضوح : “وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد” (إبراهيم : 7) .
وقد تبين من هذه الآية الحكيمة أن عدم الشكر لنعمة منعم إنما هو عين الكفران به وبنعمته ، وإن لم يكن قد صارح بكفره أو جحوده لأن الشكر والكفر متقابلان ويحل محل الآخر عند افتقاد أحدهما فلا حالة ثالثة بينهما كما هو المعروف في مصطلح التضاد اللغوي والعرفي ، وتفيد الآية أيضا أن الشكر كما هو من شأنه زيادة النعمة والكفران بها من شأنه إنقاصها بل وأنه أي الكفران يتسبب لزوال هذه النعمة كاملا مع ترتب العقاب على جناية النكران ومخالفة الفطرة كما هو مفهوم من سياق ذكر الكفر بقوله :”إن عذابي لشديد” ، ومن ناحية أخرى فإنه فائدة شكر المنعم تعود على الشاكر نفسه قبل أن تعود على المشكور لأنه ينال به رضي الله عز وجل ، ورضي الذي قدم إليه نعمة أو معونة من عباده الذين يرتضون بتبادل الشاكر ما قدمه إليه بشكر منه ويتطلع بدوره لإسداء مزيد منها عليه في المستقبل ، وهذا هو مفهوم قوله : “لأزيدنكم” وقال أيضا موضحا هذه المعاني السامية : “ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم” (النمل : 40) . وينبغي لنا أن نتذكر في معرض الحديث عن النعمة والشكر عليها أن النعمة لها وجهان : جلبة المنفعة ودفع المضرة فكما يكون حصول نعمة موجبا للشكر يكون زوال مضرة أو نقمة موجب للشكر كذلك بل بصورة أقوى وأشد لأن زوال المضرة أكبر وأنوع النعم وأهمها ، ومن هنا نفهم مغزى وفحوى قول رب العالمين : “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها” (إبراهيم : 34) . أي نعمه الظاهرة والباطنة ومنع الأضرار ومنح الخيار .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“ثم لتسؤلن يومئذ عن النعيم” (التكاثر : 8) .
من الهدي النبوي
“كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ”الحمد لله” فهو أقطع” (رواه أبو داود) .
من الأدعية المأثورة
“اللهم إني أعوذ بك من شر الغنى والفقر” (رواه الترمذي) .