صوت الهند – القاهرة يناير 1970 م
نقدم في ذكرى الزعيم الهندي الراحل جواهر لال نهرو الذي أسهم بكل ما لديه من قوة لنصرة الحق والحرية والاشتراكية في الهند والعالم ، مقتطفات من آرائه الفلسفية التي أبداها في كتاباته وخطبه ، وتقديرا لخدماته في سبيل القضايا الإنسانية السليمة والعدالة الاجتماعية القويمة .
عصر الهند الذهبي
“إن عصر الهند الذهبي هو عصر “اشوكا” الذي كان مصدر الهام كبير لها ، لقد أحرزنا تقدما لا بأس به في ظروف حافلة بالمصاعب والنكبات والمآسي ، كان من الجائز أن تقضي على أية دولة وليدة .. تذكر أن صحوة الحرية أتت معها بالانقسام ، والاغتيالات والفتن .. ولن أكن مغاليا إذا قلت أن آية دولة تمر بهذه الظروف ولا تنتهي لهي قادرة على اجتياز أية محنة يدخرها لها التاريخ ، لقد استطعنا أن نوفر المسكن والغذاء لتسعة ملايين من اللاجئين ، وأثبتنا كفاءتنا بالاستقرار على الدستور الجديد للهند الذي حدد مصيرنا كجمهورية ديمقراطية ذات سيادة تكفل لجميع مواطنيها العدالة الاقتصادية والسياسية ، وحرية الفكر والعبادة ، وتكافؤ الفرص هكذا خرجت جمهوريتها إلى الحياة في السادس والعشرين من يناير عام 1950″ .
الحلم الإنساني
“إن هدفنا النهائي هو الهدف العظيم الذي تسعى إليه الإنسانية : الوصول إلى المساواة الاقتصادية والاجتماعية والقضاء على استغلال أمة لأمة ، وطبقة لطبقة ، وتحقيق الحرية الوطنية داخل إطار وحدة عالمية تعاونية اشتراكية .
هذا هو الحلم الإنساني العظيم الذي اتطلع إلى تحقيقه دائما ، ولكن خبرتي مع القوى السياسية جعلتني أدرك تحقيق هذا المثل الأعلى ليس من السهولة بمكان ، فهناك معوقات وصعوبات وتعقيدات من جانب المصالح الرجعية “.
روح العصر
“أن فلسفتنا وأيديولوجيتنا – كما قلت دائما – ليستا من اختراعي الخاص وإنما تمتان إلى تطلعات شعبنا وأمتنا ، وتنبعات من روح عصرنا ، فإذا كنا نقبل هذا المبدأ فلا فكاك منهما أبدا ، وأي شخص أو عهد يحاول أن يحول مسرى حياتنا وتطورنا الطبيعي ، لن ينجح إلا في الأضرار بنفسه “.
منبع الفساد
“إن الفساد ينتشر في أرضنا لعله ليس بالخطورة التي يتحدثون عنها ، ولكنه موجود بشكل كبير ونحن نحاول النحكم فيه بطريقة اشتراكية إيجابية .. فمن الصعب على أية وكالة رسمية أن تصل إلى أصل الفساد ثم تقتلعه من جذوره ، أن الفساد ينبع من المجتمع نفسه ، والمجتمع – أو الشعب – يجب أن يتعلم كيف يكرهه ويقاومه ، ويقترح مستر ناندا الاستعانة بمنظمة “ساداتشار ساميتيش” على المستوى الشبيه بالرسمي ، من أجل إشراك التعاون الشعبي في المعر كقصد الفساد ، فإن الشر لا يعيش إلا بسبب لا مبالاة الشعب ، وبمجرد أن يعي الجمهور واجبه في كشف الفساد ، وإبلاغ الأمر إلى السلطات والإصرار على اتخاذ إجراء ما ضده – وأن يتم هذا الإجراء بأقصى سرعة – حتى يسهل مقاومة الشر على الشعب والحكومة” .
القاعدة الوطنية
“إن الناس هنا أكثر اهتماما بحاجاتهم اليومية ، وأظن أنهم غيروا من قدر معين من التذمر بشأن الطريقة التي تجري بها الأمور ، ونحن نخشى أن تسأل المسائل المحلية ، كسوء التوزيع وعدم الكفاءة ، والتعطلات والإهمال هي التي تسبب في انتكاسات حزب المؤتمر ، فأنت تجد مثلا بعض الأماكن التي كسب فيها الحزب مقاعد في البرلمان ، ولكنه خسرها في انتخابات الجمعيات المحلية في الوقت ذاته ، إن هذه مسألة هامة – بطبيعة الحال – وسيكون علينا أن نعالجها ، ولكن ما يحتج عليه الناخبون حقا هو مظاهر القصور المحلي ولا يحنجون على السياسات الوطنية والدولية ، ومن ثم فإن قاعدتنا الوطنية سليمة” .
غاية ووسيلة
“إن الوسيلة المستخدمة لا تقل أهمية بالنسبة لنا عن الغاية التي نسعى إليها ، وهذا ما تعلمناه من غاندي العظيم ، وهو ما جعلنا نتخاذل عن حل مشكلة “جوا” بالقوة العسكرية منذ أربعة عشر عاما ، إذن فالموضوع بالنسبة لنا هو موضوع غاية ووسيلة ، واعترف أننا لسنا سعداء بالالتجاء إلى الاشتباك العسكري ، وأن الذي يصدمني ويحزنني هو أن بعض الناطقين بلسان الدول الغربية الذين يقسمون بالحروب الباردة والساخنة ، هؤلاء السياسيون الذين لا يملون الترويج لدعايات الحرب ينتقدون الوسيلة التي اتبعناها ، ويتمادون إلى حد التبشير بمبادئ غاندي لي أنا من دون الناس” .
تحدي العصر
“إن عصرنا هو عصر ثورة عظمى في تكنولوجية الحرب والسلام ، فإن القنبلة النووية وتدمير ناجازاكي وهيروشيما يوضحان الثورة الكبرى التي حدثت في التكنولوجيا العسكرية الزعيم نهرو يوقع في سجل الزيارات بالقصر الجمهوري بالقبة أثناء زيارته للقاهرة عام 1965 .
…وفي نفس الوقت ييسر استخدام الطاقة النووية في الأغراض السامية والتعميرية برخاء لا مثيل له سوف يعم الدنيا ، أن هذا التحدي الرئيسي يجعل عصرنا يواجه أحد اختيارين ، أما التدمير المشترك وأما الرخاء المشترك ويوضح ضرورة تحريم الحرب ” .
نجاح غاندي
“وقد تحدث إلى اينشتاين بحماس كبير عن غاندي بصفته التجسيد لفلسفة الهند السلمية ومعرفتها التكنيكية للصراع السلمي ، نقد وجد اينشتاين في نجاح أسلوب غاندي بالكفاح السلمي الجواب الوحيد المعقول على لغز الحياة والموت ، أنت تعرف – بطبيعة الحال – أن اينشتاين هو أب القنبلة الذرية ، وبعد استخدامها في تدمير هيروشيما ونجازاكي تدميرا تاما انقلب ضد اختراعه – وشن حملة عنيفة مطالبا بالفاء الحرب الذرية ، وتكوين هيئة رقابة تشرف على نزع السلاح النووي ، كخطوة أولى نحو نزع السلاح نزعا تاما” .
نحو المستقبل
“إننا لا نعتزم الوقوف موقف الدفاع إطلاقا بشأن الاشتراكية ، فهي كما قلت سياسة معلنة ، وإذا كان بعض الناس يتقدمون ببطء في مسيرتهم نحو الاشتراكية ، فإن ثمة إجراء يجب اتخاذه لحثهم على الإسراع ، ونحن نريد أن ننفذ خطتنا الخمسية بمزيد من السرعة ، فإن هذه الخطة ضرورية لانطلاقنا نحو الاقتصاد المستقل المدار ذاتيا وتركز كل المجهودات لإنجاحها ” .