صوت الشرق مايو 1965 م
إلى الهند يفد كل عام عشرات الألوف من الزائرين ليستمتعوا بمناظرها الجميلة ، ومعالمها التاريخية ، ومختلف فنونها ، وآثار نهضتها الحديثة ومظاهر حضاراتها وثقافاتها المتعددة ، فيرون بلدا كبيرا مترامى الأطراف ، تتباين مناظره وتختلف أجزاؤه وتتعدد أديانه ولغاته وشعبها يثابر في بذل جهود متواصلة لكل يغير أساليب الحياة القديمة ويعمل على اللحاق يركب التقدم الحديث وتحقيق ديمقراطية مثالية صحيحة وعدالة اجتماعية حقة ، ونهضة اقتصادية شاملة .
ويرون معالم نهضة نابضة في كل مرافق الحياة ! ، وإلى جانب ذلك يرون ، من خلال هذا كله “الوحدة” في التنوع ، فإن الهند مع اتساع رقعتها مظاهر الحياة فيها ، وتعدد أديانها ولغاتها ولهجاتها ، تؤلف وحدة متكاملة متماسكة مع طابعها الخاص ، وفلسفتها وطريقة حياتها الخاصة التي هي مريج متناسق من القديم والحديث ، ومن تراث الماضي وجهود المستقبل .
وهكذا تقدم الهند لكل زائر مجالا كبيرا للمشاهدة والدراسة والتأمل والمتعة ، وفهيا بنا الآن نقم بجولة خاطفة في أرجاء هذا البلد الكبير ، ما بين مناظرها الخلابة ، وغاياتها الكثيفة وأنهارها الجميلة وحدائقها الغناء ، ووديان “كشمير” وسفوح “الهمالايا” ، وشلالات “ميسور” وبحيرات “كيرالا” وخزانات “البنجاب” كذلك سنقوم بتطواف سريع عند مصانعها الحديثة ، ومعابدها القديمة ، ومساجدها الضخمة ، وقصورها الفخمة التي تأسر القلوب وتسر أعين الناظرين .
هند اليوم
والهند ، بالزغم من كونها ضمن القارة الآسيوية يطلق عليها اسم “شبه القارة الهندية ” لأنها تكاد تنفصل عن بقية أجر آسيا انفصالا تاما فإنها محاطة بالمياه من ثلاثة جوانب فنجد البحر العربي يحيطها من الناحية الجنوبية وخليج البنغال من الناحية الشرقية ، وأما من الشمال فتحف بها سلسلة جبال الهمالايا الشاهقة بحيث تفصلها تماما عن باقي القارة الآسيوية .
والهند من أكبر دول العالم من حيث المساحة إذ تبلغ مساحتها حوالي ثلاثة ملايين كيلومتر مربع أي ثلاثة أضعاف مساحة الجمهورية العربية المتحدة ، وحوالي ثلثي مساحة قارة أوربا من غير روسيا ، كما أنها ثاني دول العالم – بعد الصين – من حيث عدد سكانها الذين يبلغ عددهم حوالي أربعمائة وخمسين مليون نسمة ، وهم يمثلون سدس سكان العالم ويمثل أكثر من مائة وتسعين مليون ناخب فيها أكبر ديمقراطية فيه إذ يتوجهون كل ست سنوات إلى صناديق الانتخاب لينتخبوا ممثليهم في البرلمان الاتحادي المركزي ، والمجالس التشريعية في الولايات .
ويبلغ طول الهند من أقصى شمالها في مناطق جبال الهمالايا إلى أقصى الجنوب في رأس “كومرين” حوالي ألفي ميل ، كما أن عرضها من “بومباي” في الغرب إلى آسام في الشرق يبلغ حوالي ألفي ميل أيضا وأما طول سواحلها فثلاثة آلاف وخمسمائة ميل ، بينما حدودها الشمالية تبلغ – من حيث الطول – ثمانية آلاف وسبعمائة ميل :
والجمهورية الهندية تتألف من ست عشرة ولاية ، وعدد من المناطق التي وضعت تحت الإدارة المركزية مباشرة ولكل ولاية منها جمعيتها التشريعية الخاصة ن ومجلس الوزراء ويرأس كل ولاية حاكم يعينه رئيس الجمهورية ، وأما أعضاء الجمعيات التشريعية فينتخبون بطريق الانتخاب العام الذي يجري على أساس حق التصويت لجميع البالغين ، والبرلمان المركزي ينتخب من الشعب بطريق الانتخاب العام في طول البلاد وعرضها ، ويتولى أعضاء هذا البرلمان اختيار رئيس الوزراء الذي يقوم بتأليف الوزارة المركزية كما يقوم كل من الجمعيات التشريعية في الولايات باختيار رئيس الوزراء الذي يؤلف الوزارة الإقليمية .
الدستور الهندي
اقتبس الدستور الذي وضعته الهند في عام 1950 محاسن الدساتير الديمقراطية في العالم ، وهو يكفل الحقوق الأساسية لجمع المواطنين دون تمييز بينهم بسبب العنصر أو الدين أو الجنس ، والغي نظام الطبقات القائمة على عادات عدم اللمس والمنبوذية وغيرها ، ويضمن الدستور حرية الكلام ، والاجتماع ، وإبداء الرأي وتكوين الهيئات والتملك وحق اختيار الحرفة والهنة .
ولكل مواطن أن يباشر تعاليم دينه ونشره والدعوة إليه ، ويصرف اهتماما خاصا نحو الأقليات لحماية لغاتها ، وشعائر أديانها وثقافاتها الخاصة وجاء فيه :
“إن المواطنين جميعا متساوون في الحقوق الآتية ، على ألا يخل بالنظام العام أو الأدب وألا يتنافى مع أصول الصحة العامة :1 – حرية العقيدة وحرية الفرد في اتباع دينه وممارسة شعائره والدعوة إليه ، 2 – انتشار الهيئات ذات الأهداف الدينية والخيرية وإدارة شؤونها ، 3 – تملك الأموال وحيازاتها والتصرف فيها ، 4 – لجميع الأقليات – اللغوية أو الدينية – حق إنشاء المعاهد التعليمية التي تريدها وإدارتها كما تشاء ، 5 – لا يجوز لأية ولاية أن تميز معهدا على آخر – عند منح الإعانات التعليمية – بسبب تبعيته لإحدى طوائف الأقليات دينية كانت أو لغوية” .
مدن الهند الكبرى
تتكون عاصمة الهند الحديثة “دلهي” من مدينتي دلهي القديمة ودلهي الجديدة ، وتعرف الآن دلهي الجديدة باسم : نيودلهي ، وفيها قصر الرياسة , ومقر الحكومة والبرلمان الاتحادي وعدد من المصالح الحكومية الكبرى ، بينما تضم دلهي القديمة المعالم التاريخية الهامة مثل ، القلعة الحمراء التي بناها الامبراطور المغولي الشهير “شاه جهان” فيما بين عام 1639 – 1648 م ، وبجوارها جامع دلهي التاريخي ، وهو من أفخم المساجد في العالم ، وتعد نيودلهي اليوم إحدى العواصم الدولية ولا تزال محط الآمال للسلام العالمي والتفاهم الدولي كما صورهما غاندي ونهرو .
ومن ناحية الجمال الطبيعي فإنها مدينة الحدائق الغناء ، ويزين شوارعها صفان من الأشجار على الجانبين ، ومن أجمل بقاعها ، بوابة دلهي ، المواجهة لمقر الحكومة ، وأحسن حدائقها “حديقة المغول” في القصر الجمهوري ، وتمتاز نيودلهي بمبانيها الجديدة المستديرة الشكل ذوات القباب الهرمية ، وهي من ميزات المعابد الهندوكية القديمة ، وفي الليل تبدو المدينة تحت الأضواء في أبهى حللها وأجمل صورها .
وبومباي – وهي مدينة حديثة عصرية ، نظيفة ومنسقة ، وتمتاز بمبانيها الفسيحة ، وهي أهم الموانئ على الساحل الغربي للهند ، وثاني المدن الهندية من حيث السكان لأن مدينة كلكتا تقف في المرتبة الأولى من حيث عدد السكان ، وتوصف بومباي بعقدالهند المؤرخي وتتضح لكل زائر للمدينة حقيقة هذا الوصف لأن أنوار الكورنيش المقدس حينما تتلألأ ليلا يخيل إليه أنه عقد من اللؤلؤ يزين صدر البحر العربي .
وينعم المتنزه على الكورنيش بعض الظهر وخاصة في أيام الإجازات الأسبوعية والعطلات الرسمية بالمنظر الجميل ، وبنسيم البحر المنعش .
وتشتهر بومباي بحدائقها المعلقة وأجملها حديقة نهرو المعروفة ، ومنها يستطيع الزائر أن يشاهد منظرا عاما رائعا للمدينة كلها ، وتوجد في المدينة عمارات ضخمة جميلة مطلة على البحر .
كلكتا – وهي لا تختلف عن بومباي كثيرا إلا في عدد السكان والمباني العالية ، وكانت عاصمة الهند قبل أن تنتقل إلى نيودلهي في السنوات الأخيرة للحكم ، الانجليزي في البلاد ، وفيها مكتبات علمية عالمية ومتاحف قمة وأما مطارها فيعتبر من أهم المطارات في العالم نشاطا وحيوية ليلا ونهارا ، وهي الآن عاصمة البنغال الغربية .
ومدراس – وهي ميناء كبير على الساحل الشرقي للهند ، ومن أهم المدن الهندية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتاريخيا وثقافيا ، وهي أول مدينة أنشأ فيها الانجليز مكتب “شركة الهند الشرقية” في العصور الأخيرة للعهد المغولي في الهند ومن هناك بث الانجليز نفوذهم إلى بقية أنحاء البلاد ، وتعتبر مدينة مدراس ونظف المدن في الهند كلها ، وتمتاز بساحلها الطويل الفسيح ، وشاطئها الرمل الجميل تزينه الأشجار الباسقة على الجانبين وعلى طريق الكورنيش يقع مبنى مجلس التشريع للولاية ومباني جامعة مدراس ، وفيها حديقة الحيوان المعروفة باحتضان أغرب أنواع الحيوانات المتوحشة مثل النمور والأسود والأبقار الوحشية ، وفيها مصانع القاطرات والسيارات والنسيج ، كما أنها أحد المراكز الرئيسية لصيد الأسماك في الهند بأحدث الطرق العصرية .
ومن المدن الرئيسية في الهند حيدرآباد ، وميسور ، وكاتشين ، وأحمد آباد ، وآجرا ، ولكنو ، وسريناجار ، وباتنا ،وأله آباد ، وغيرها ، وكل تتميز بناحية من النواحي الصناعية ، أو السياسية أو السياحية والتاريخية فإذا كانت “آجرا” مدينة “تاج محل” والمعالم المغولية البديعة ، فتعتبر بنارس مدينة زاخرة بالآثار الهندوكية القديمة وحيدرآباد مدينة المساجد الفخمة والآثار الإسلامية ، وهكذا ..
من آيات الطبيعة
وكما أن الهند غنية بتراثها التاريخي الخالد فهي غنية أيضا بمناظرها الطبيعية الجميلة ، وبيئاتها المتباينة وجبالها المغطاة بالثلوج ، وغاياتها الكثيفة وأنهارها الحارية ، وسهولها الفسيحة التي تكسوها حقول خضراء وسواحلها الهادئة التي تنساب إليها الأنهار وسيول الفياضانات الهائلة .
ويرجع السبب الأصلي للتباين الكبير في المناظر الطبيعية ، والمناخ والبيئات إلى وقوع البلاد ممتدة من خط عرض 8 في جنوب ، إلى 38 في الشمال ، ولذلك تجد البيئة المدارية الحارة في الجنوب ، كما تجد البيئة الجبلية الباردة في الشمال ، ونجد صيفا دافئا في مناطق جنوب الهند القريبة من خط الاستواء ، بينما تكون المناطق الشمالية تحت وطأة شتاء قارس ، وتغطي الثلوج جبالها والمدن المجاورة لها ، وكذلك اختلاف التضاريس والارتفاع عن سطح البحر يترك أثرا كبيرا في تباين طبائع البلاد ومناظرها في آن واحد .
مصايف الشمال الجميلة
ومن أجمل المصايف في شمال الهند ، كشمير ، وسملا ، وميسوري ، ووادي كولو ، وغيرها ،أما كشمير فهي حقا جنة الهند ، ومن أجمل البقاع في العالم ، بفضل جمال الطبيعة فيها ، وجوها المنعش ووديانها الجميلة ، وقمم جبالها المغطاة بالثلوج وحدائقها البديعة .
وعلى سبيل المثال ، نجد فيها وادي “بلجام” وبه مصيف بديع للغاية فبينما نرى القمر يرسل ضوءه الفضى على القمم الثلجية للجبال المحيطة به ، نجد هذا المنظر الجذاب منعكسا في الوادي كله ومتلألنا في بحيراته ، فيرسم هذا المشهد لوحة فنية طبيعية تبهر الألباب وتسبح بالناظر في عالم الخيال .
وأما مدينة “سريناجار” عاصمة كشمير ، فمعروفة جدا بعواماتها السكنية في بحيرة “دال” المحيطة بها وجنادلها الرائعة المشهورة باسم :”شيكاري” وتنساب هذه الجنادل مع الزائرين ،والعاشقين على صفحة المياه الهادئة ، تحمل أنواعا من الفواكه الموسمية ، والزهور الرائعة ومنتجات الصناعات اليدوية الجميلة التي تمتاز بها كشمير ، وإن الفجر في مدينة سريناجروخرير المياه وأغاريد الطيور ، ونسيم الصباح لمن أجمل الذكريات والرؤي والمجالي لكل من ساعده الحظ على زيارة هذه البقعة التي جعلها الله عز وجل قطعة من جناته على الأرض .
ويبدو أثر هذا الجمال الطبيعي منعكسا على وجوه أهاليها رجالا ونساء وصغارا وكبارا ، وفي منازلهم ونسق حدائقهم .
وإذا انتقلنا إلى الجنوب ، نجد ولاية كيرالا ومصيف أوتي في ميسور . وهما من أكثر البقاع في الهند جمالا وروعة ..
ومن المعالم المألوفة على سواحل كيرالا منظر الشباك ومراكب الصيد وفي جنوب كيرالا نقطة خلابة لالتقاء ثلاثة بحار ، البحر الغربي ، والمحيط الهندي وخليج البنغال ، ويسمى هذا المكان الرائع “رأس كومرين” وفيها أيضا بساتين أشجار “الجوز الهندي” وغيرها من الغابات الجميلة .
وأما “أوتي” فتقع على جبال “النيلجري” وفيها غابات أشجار البامبو الرقيقة وتصطف هذه الأشجار على ضفاف الأنهار والبحيرات وكذلك مرازع اللبن والشاي الخضراء ، تتخللها الأكواخ المنسقة .
معالم نهضة صناعية
وفي الهند الآن معالم تطور هائل .. ففيها تقام المصانع الكبرى لتكرير البترول ، وصناعة الحديد والصلب وصناعة الآلات الثقيلة والأجهزة الدقيقة ، والمعدات الكهربائية والهندسية ، وصناعة الأقمشة القطنية ، وصناعة الكيماويات وآلات الديزل .
وأنشأت الهند مصنعين لتكرير البترول بالقرب من بومباي وآخر في “فيشاكا باتنام” جنوبي الهند ، ومن المشروعات الجديدة مصانع “سندري” للمخصبات الكيساوية ، ومصانع القاطرات في “جيزانجان” ومصانع هندوستان للأسلاك والكابلات ومصانع هندوستان لبناء السفن ، ومصانع الآلات الثقيلة في ميسور ، ومصانع أخرى عديدة لأجهزة التليفونات وعددها ، والدراجات وماكينات الخياطة ، والمراوح الكهربائية وغيرها وصناعة القاطرات في مدراس ، ومصانع الصلب والحديد في روركلا ودورجابور ، وبهيلاي ، وأما مصنع الطائرات في مدينة بانجلور ففي مقدمة المصانع الحديثة الكبرى في الشرق كذلك المفاعل الذري بالقرب من مدينة بومباي .
ومعالم نهضة ريفية
وهناك برنامج ضخم للنهوض الريفي يمد نشاطه إلى كل ركن من أركان الهند ، وتقوم مجالس القرى بالعمل على رفع مستوى الريف وأبنائه ، ويعمل القرويون بكل همة في خدمة أنفسهم ، وقد تم حتى الآن إنشاء عشرين ألف مدرسة قروية عدا فصول خاصة لمكافحة الأمية ، وافتتح خمسة عشر ألف مركز من مراكز الصحة ورعاية الأمومة ، وأما المساكن الشعبية الريفية فقد بلغت أكثر من مائة ألف مسكن جديد .
ونرى الأندية الريفية منتشرة في جميع أنحاء الهند ، وقد امتد نشاط الهيئات التعاونية إلى جميع الفئات المقيمة في القروية سواء منهم عمال الزراعة الذين يشغلون في الحقول ، أو أرباب الحرف والمهن المختلفة ، كالصيادين والنجارين والحدادين وغيرهم ، هكذا وضعت حاجات أهل الريف على عاتق هيئة تعاونية لكي يحصلوا على حاجاتهم المختلفة بسهولة ، وتجنبوا المتاعب ، وقد أصبح الآن شعار كل قرية “التعاونية نظامنا ، ومجتمعنا واحد ، وقريتنا واحدة ” .
والنهضة العلمية
تتبع الهند نظاما فريدا في التعليم يطلق عليه اسم “التعليم الأساسي” الذي دعا إليه المهاتما غاندي ، والتعليم وفق هذا النظام لا يقتصر على النواحي النظرية بل يشمل النواحي العملية كالفلاحة ، والاشغال اليدوية العديدة ، وذلك لتلقين الجيل الناشئ دروسا في كرامة العمل اليدوي ورفع مستواهم العام حتى يصبحوا أعضاء صالحين نافعين في المجتمع ، فتكون عندهم وآيات تنفعهم في مستقبل حياتهم .
ويستعين هذا النظام برسائل الإيضاح السمعية والبصرية والأفلام الثقافية ، وقد افتتحت فعلا آلاف المدارس والفصول الخصوصية طبقا لهذا النظام الفريد .
وفي الهند الآن حوالي خمسين جامعة ، ويبلغ عدد الكليات التابعة لها ما يقرب من ألف كلية ، بما فيها كليات التربية للمعلمين والتعليم اللهني والفني ، أنشأت الهند أخيرا عددا من المدارس والمعاهد للتدريب الصناعي لمواجهة النشاط المتزايد في تصنيع البلاد ، وابتكر شاعر الهند الكبير “رابندرانات تاجور” أسلوبا جديدا في التربية الحديثة ، فأنشأ مدرسته المشهورة في “شانتي نكيتان” وطبق فيها نظريته الخاصة في التربية وتلقى الدروس في الهواء الطلق ، ويتلقى الالب العلوم والفنون في جو الطبيعة الصافية ، وقد حولت مدرسته في أخريات حياته إلى جامعة دولية باسم “فشفا بهاراتي” وهي تجمع بين قيم الشرق وقيم الغرب ، فيها والصينية وغيرها ، وتضم طلابا من شتى أنحاء العالم ، وجعل شعار هذه الجامعة “العالم يلتقي في صعيد واحد ” والقصد من ذلك بث بذور المحبة والأخوة بين الأفراد والجماعات .
وبفضل إنشاء الهند صلات ثقافية مع كثير من البلاد يجري ألآن التبادل الثقافي بين الهند وبين بلدان العالم على أوسع مدى ، فنجد مئات من الطلاب العرب يتلقون الدراسات في جامعاتها أو التدريبات في معاهدها الفنية أو الصناعية ولهم في مختلف المدن اتحادات ونواد خاصة .
روائع الفنون الهندية
إن للهند صفحات مجيدة في تاريخ الفنون ، وترجع أصول الفنون الهندية إلى خمسة آلاف سنة على أقل تقدير ، وتزخر الآن بنماذج رائعة خالدة من الفن المعماري ، والنحت والتصوير والتماثيل ، تحمل طابع القرون العديدة التي مرت عليها جيلا بعد جيل ومنها المعابد الهندوكية القديمة ، المتكونة من قباب ذات طبقات عديدة ، مزدانة بالمنحوتات البديعة التي تمثل الآلهة في أوضاع دقيقة فنية ، وتشتهر معابد الجنوب في القارة الهندية بنحوتها الدقيقة ومنها معابد صخرية ضخمة منحوتة في كتل من الجبال أو الكهوف .
ومن المدن الشهيرة بالمعابد الهندوكية الأثرية بنارس ، ومدراس وتانجور وراميشورام وحيدرآباد وكلكتا وبومباي ودلهي وجوجيرات .
ومن أشهر الآثار الفنية الخالدة ، ما تركه المغول في عصور الحكم الإسلامي في الهند ، ومنها الآثار الموجودة في مدينة آجرا مثل تاج محل ، الذي بناه الامبراطور المغولي العظيم شاه جهان تخليدا لذكرى زوجته الوفية “ممتاز محل” وهو عبارة عن قصر مرمري خالص ، يعد أعجوبة من عجائب العالم السبع ، وهو قبلة السائحين في الهند .
ومن المدن الزاخرة بآثار الفن الإسلامي دلهي وحيدرآباد ولكنو وكلكتا وكشمير وملابار وميسور وأجمير وغيرها ، ونجد نماذج التصوير والنحت الخالدة في حوائط الكهوف والمعابد وقبابها وأعمدتها والمساجد التاريخية ومناثرها ، ولا تزال تلك النقوش البارزة والنحوت الأثرية محل الهام وشحذ لهمم الفنانين .
السينما والمسارح
وتعد الهند أكبر دولة في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث ضخامة الإنتاج السينمائي ، وتنتج الآن أفلاما طويلة وقصيرة بمختلف اللغات المحلية وبعض اللغات الحية ، ويبلغ عدد ستوديوهات السينما في الهند اليوم أكثر من ستمائة فضلا عن خمسين معملا للتحميض والطبع والتلوين ، وهناك حوالي خمسة آلاف دار للعرض السينمائي في شتى أنحاء البلاد ، بينما يرتادها كل عام أكثر من سبعملئة مليون متفرج .
ويستغرق عرض بعض الأفلام الهندية ثلاث ساعات كاملة أو أكثر وتنتج الهند أفلاما ثقافية وتعليمية وترفيهية وأخبارية وروائية ، وتقدم دور السينما الهندية ، في مدنها وقراها خدمة جليلة ومتعة لأهل البلاد والأجانب الذين يفدون إليها من كل حدب وصوب ، لأنهم يجدون في الأفلام الهندية صورا مبسطة مستعدة من صميم حياة الشعب الهندي وتاريخه وعاداته وتقاليده .
المرأة الهندية
والمرأة في الهند تتمتع بالمساواة التامة مع الرجل في كثير من شؤون الدولة والمجتمع والأسرة ، فبينما نرى نساء الهند يشغلن مناصب الوزارات والقضاء ومصالح الحكومة العديدة ، نجد منهن عضوات البرلمان ، وأعضاء البعثات الديبلوماسية ، وكل هذا لا يمنعهن من القيام بالمساهمة في الخدمة العامة للنهوض الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي في البلاد .
ورغم اشتراك المرأة مع الرجل في جميع الميادين ، وتحررها من قيود الماضي وتوليها مناصب رفيعة في الحكومة وفي المجالات الدولية إلا أنها تحافظ على تقاليدها القومية ولباسها التقليدي الوطني ، والاحتشام الموروث .. وهكذا نرى هذا البلد الكبير يخطو حثيثا في ركب الحضارة بكل طوائفه وأفراده ، بفضل جهود أبنائه المكافحين …