في رحاب رمضان المبارك
هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح يقضون أيام رمضان
الخليج اليوم – قضايا إسلامية السبت 10-مايو-1986 م
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام والسابقون الأولون من السلف الصالح يخصون شهر رمضان المبارك من العبادات والطاعات وأعمال البر والخير والإحسان بمالا يعلمون في غيره ، وكانوا يغتنمون فرحة رمضان للسبق إلى الله تعالى في ميدان العمل الصالح ، ويخشون أن ينسلخ عنهم هذا الشهر العظيم من غير أن يحرزوا فيه أكبر نصيب من مرضات الله وغفرانه ، فهذا كله يدل على أن المؤمنين يجتمع لهم في شهر رمضان عدة أمور ، ومنها جهاد بالنهار على الصيام وجهاد بالليل على القيام والتهذيب للنفوس والإكثار من تلاوة القرآن ورياضة لها بالجود والعطاء ، فمن جمع بين هذه الخصال الحميدة وأوفى بحقوقها وصبر عليها أوفاها الله تعالى أجره بغير حساب ، فيفوز فوزا عظيما ، وفيما يلي ملامح من سيره الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح في هذا الموسم العظيم .
مدارس القرآن
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجد ويجتهد في مدارسة القرآن في شهر رمضان لأن شهر القرآن وشرع فيه الصيام تكريما وشكرا على هذا الحدث العظيم حيث أنزل الله فيه دستوره الخالد هدى ونورا وفرقانا للبشرية جمعاء ، فكان يدارس القرآن مع جبريل عليه السلام فيقرآ الرسول صلى الله عليه وسلم على جبريل ، وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة ” (متفق عليه)، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيى الليل وأيقض أهله وشد المئزر” (متفق عليه) .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من القرآن في رمضان خصوصا في قيامه بالليل ، فلقد قرأ بالبقرة وآل عمران والنساء في ليلة واحدة ، وما صلى ركعتين حتى جاءه بلال يعلمه بصلاة الفجر ، وروى الإمام مسلم رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر إلا آخر م رمضان بمالا يجتهد في غيره” وروى عنها الإمام البخاري : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الثلث الأخير من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله ، وفي رواية أخرى عنها أيضا :”طوى فراشه واعتزل النساء وجعل العشاء سحورا” .
الاعتكاف في رمضان
لقد روى عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأولى من رمضان ، ثم اعتكف العشر الأواسط في “قبة تركية” “وهي خيمة صغيرة من لبود” ، ثم أطلع رأسه فقال :”إني اعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة يعني ليلة القدر ثم اعتكف العشر الأواسط ثم آتيت فقيل لي أنها في العشر الأواخر ، فمن اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في الوتر منه و قال أبو سعيد الخدري :”فأمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش ، فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين” (رواه البخاري ومسلم) ، وتتجلى من هذه الرواية عزيمة الرسول عليه الصلاة والسلام في الاعتكاف في المسجد خلال شهر رمضان وخاصة العشر الأواخر منه ، وهمته العالية في إكثار الصلوات وإطالة السجود والقراءة .
من أقوال الرسول في فضل رمضان
روى الإمام البيهقي عن جابر رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”أعطيت أمتي في شهر رمضان خمس لم يعطهن نبي قبلي ، أما الأولى فإنه إذا كان أول ليلة منه نظر الله إليهم ومن نظر الله إليهم لم يعذبه أبدا ، وأما الثانية فإن الملائكة تستغفر لهم كل يوم وليلة وأما الثالثة فإن الله يأمر جنته يقول لها تزيني لعبادي الصائمين ، يوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي ، وأما الرابعة فإن دائمة أفواههم حين يمصون تكون أطيب من ريح المسك ، وأما الخامسة فإنه إذا كان آخر ليلة منه غفر لهم جميعا ، فإن العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم” .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم ، يقال : أين الصائمون ؟ فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم فلا يدخل منه أحد” (البخاري) ، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال :”من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة : يا عباد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة” ،قال أبو بكر رضي الله عنه : بأبي وأمي أنت يا رسول الله إما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : “نعم ، وأرجو أن تكون منهم” (متفق عليه) .
وقال صلى الله عليه و سلم أيضا : “ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ” (متفق عليه) .
إن من أهم صفات الصحابة والسلف الصالح خلال رمضان الإكثار من الجود والسخاء وفعل الخير وخاصة إفطار الفقراء والمحتاجين والتسحر معهم وقال أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم : “قال لي رسول الله عند السحور يا أنس إني أريد الصيام فأطعمني شيئا ، فأتيته بتمر وإناء فيه ماء وذلك قبل الفجر بيسير فقال لي : يا أنس أنظر رجلا يأكل معي فدعوت زيد بن ثابت فدخل وشمر معه ثم قال فصلى ركعتين ثم خرج إلى الصلاة “(النسائي) .
وعن أنس رضي الله عنه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”تسحروا فإن في السحور بركة” (متفق عليه) ، وروى عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر”(متفق عليه) ، ومن رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : “أحب عبادي إلى أن أعجلهم فطرا” (الترمذي) .
الإكثار من القرآن
وكان السابقون الأولون يعتبرون شهر رمضان شهر القرآن ومجالسة أهل العلم والاستماع إلى الوعظ والإرشاد وتلاوة القرآن ، وما اتخذوه شهر النوم والكسل ، والبطالة وتعطيل الأعمال ومصالح العباد باسم الصيام ، ومن عادات السلف ختم القرآن في ليالي رمضان سواء في صلاة التراويح أو غيرها ، فكان بعضهم يعتمدون على الحصى من طول القراءة في صلاة التراويح وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر ، وبعضهم كان يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال ، وبعضهم في كل عشر ، وجرت العادة في زمن التابعين وكانوا يرون أن قراءتها في اثنتي عشرة ركعة من التخفيف ، وكان لأبي حنيفة والشافعي ستون ختمة في رمضان .