الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 3-مايو-1986 م
لقد ربط الإسلام أمته برباط وثيق لا ينفصم عراه أبدا ويقوم هذا الرباط على أسس وحدات ثلاث وهي : وحدة العقيدة ووحدة العبادات ووحدة الفكر ، وأما وحدة العقيدة فيقول القرآن الكريم :”إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون” (الأنبياء : 92) ، ويشير القرآن الحكيم إلى مظاهر الوحدة الثانية أي في العبادات كلها إذ قال : ” إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون” (النور : 51) . وأن وحدوة الفكر أو التصور إنما هي قائمة على دعائم التوحيد وأهداف العبادات لأن هذه المفاهيم تؤكد للمؤمنين وحدة المصدر العام للإنسانية كلها إذ أعلن الدستور الإلهي : “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا” (النساء : 1) ، وقد أكد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حقيقة هذا المصدر العام لكافة البشرية فقال : “كلكم من آدن وآدم من تراب” .
1 – وحدة العقيدة
إن كلمة التوحيد هي أساس الكيان والإطار العام لأمة الإسلام وأن النطق بهذه الكلمة لا إله إلا الله – مع قرار مفهومها في القلب وانطلاق الجوارح للحياة بموجب مقتضاها يحدث تحولا عاما وشاملا في كيان الإنسان ويجعل منه كائنا يتفاعل جميع أجزائه مع مغزى هذه الكلمة الجامعة الهامة وأن هذا الانتماء العقدي يذيب جميع الفوارق الفكرية والنظرية الأخرى لأن الكائنات كلها لها إله واحد له ملك السماوات والأرض وإليه مصير الجميع بجميع المصير ! وبالتالي فإن كلمة التوحيد تؤدي إلى توحيد الكلمة بين أهل عقيدة التوحيد في مشارق الأرض ومغاربها .
2 – وحدة العبادات
إن جميع العبادات المشروعة في الإسلام تؤكد الوحدة العقدية المستقرة في القلوب ومنها عبادات تؤكد مظاهر الوحدة يوميا وأسبوعيا وسنويا في الصلوات اليومية والأسبوعية يوم الجمعة والسنوية يومي عيدي الفطر والأضحى وكذلك في الصيام ومشاعر وشعائر ومناسك الحج ، حيث يطوفون بيتا واحدا في زي واحد ، وبهدف واحد ، وبشعار واحد ، ويمارس الجميع مناسك وأعمالا واحدة فكل هذا وذاك يكرس معنى وحدة الأهداف والآمال بين أبناء الإسلام على الرغم من اختلاف الأشكال والألوان واللغات والجنسيات وقد أوضح القرآن أن هذا الاختلاف الذي نراه في العالم هو مظهر من مظاهر القدوة الإلهية ودليل على بديع السماوات والأرض فمن حاول التفضيل بين الناس على أساس الألوان أو اللغات أو الجنسيات فقد ضل سواء السبيل وحاد عن تعاليم الإسلام الحق وخرج عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، وقال تعالى : “ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين” (الروم : 22) .
3 – وحدة الفكر
إن وحدة الفكر والتصور بين أفراد وجماعات أمة واحدة تنبعث عن أهداف ومناهج الحياة التي تتمسك بها تلك الأمة وأما العرب المسلمين بعد أن اعتصموا بعقيدة التوحيد ومنهج العبادات طبقا للشريعة الإسلامية التي أتى بها خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بوحي من الله سبحانه وتعالى فبعد ترسيخ وحدة العقيدة ووحدة العبادات يؤكد الإسلام وحدة المفاهيم والأفكار والتصورات بين أمة الإسلام .
وأن تحديد مصدر تلقي تلك الشريعة واستمداد قواعدها وقوانينها إلا وهو الكتاب والسنة يوحد نظرة المسلمين جميعا إلى الكون والحياة والإنسان ، وعلاقتهم مع كل الكائنات وأن تيار هذه النظرة ينطلق إلى مرافق الحياة الإنسانية كلها ومجالات العادات والأخلاق والآداب الاجتماعية والعلاقات والارتباطات القومية والدولية وهذه الوحدة الفكرية تلعب دورا كبيرا وهاما في توطيد وحدة الأمة وتعميق أواصر المحبة والألفة بين مختلف مجموعاتها وطبقاتها في إطار المفهوم الإسلامي .