الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 15-فبراير-1986 م
إن الغرور للإنسان داء وبيل يجلب له متاعب كثيرة ويؤدي إلى التهلكة بدون أن يشعر ، والغرور يعمي صاحبه عن رأيه هاوية المهالك ومصدر المخاطر ، لأنه يزين له الأشياء بزخارفها البراقة وصورها المزيفة ولا يتيح له الفرص لرؤية الأشياء على حقيقتها وماهيتها الصحيحة ، ولو عرف الإنسان حقيقته وجعلها دائما في دائرة النور والضوء تحت بصره وسمعه ما حاول بغروره وافتتانه بنفسه ودنياه أن يغتر بهذه الحياة الفانية المؤمنة ، وينسى حقيقته ومصيره ، وأن هذه الخصلة الرذيلة تستهوي صغار النفوس إلى الكبرياء والغطرسة والخيلاء والتعالى على الناس ، فيكون في النهاية رذيلا عند الله والناس ، في الدنيا وفي الآخرة .
منشأ الغرور
إو المنشأ الأول للغرور هو عدم معرفته بحقيقته وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن الكريم : “يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ، اللذي خلقك فسواك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك ” (الانفطار : 8) . وأما حقيقة الحياة الدنيا التي يغتر بها الإنسان المسكين فإنها متاع الغرور وأنها كأحلام نائم كما قال الشاعر الحكيم :
ألا إنما الدنيا كأحلام نائم وما خير عيش لا يكون بدائم
وأن العاقل هو الذي يعرف قيمة هذه الحياة ومكانتها وما هي إلا مزرعة الآخرة ، وقال تعالى في كتابه الكريم هاديا ومرشدا ! : “تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين” . وإذا كان معيار الكرامة والعزة عند الله هو التقوى كما جاء في كتابه الخالد : “يا أيها الناس إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” ، وليس معيار الكرامة عند الله هو الوجاهة أو الضخامة أو كثرة المال أو شدة القوة أو علو المناصب ، وكلما تزداد معرفة الإنسان بهذه الحقائق الثابتة يزداد تواضعه ولينه وسماحة في معاملاته مع الناس ونظراته إليهم .
ليس من الإيمان في شيئ أهل الغرور
لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر ” . وأما العتل فهو الجافي الغليظ في المعاملات والجواظ هو المتعالي على الناس مع الخيلاء وأن المستكبر هو صاحب الكبرياء والغطرسة ، ولا توجد رذيلة ولا نقيصة ولا خطيئة أكثر مقتا وبغضا عند الله كرذيلة الكبر وخطيئة التعاظم على الناس ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :”إنه ليأتي الرجل السمين المتعاظم يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ” ، ثم قال : “لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر” .
مفهوم الكبر في الإسلام
ليس الكبر كما يفهم بعض البسطاء التجمل المشروع وحسن المظهر وزينة الهندام ، ولكنه الخيلاء بنفسه واحتقار الآخرين ، وقد وضح الرسول عليه الصلاة والسلام هذا المتن بكل صراحة وتفصيل إذ قال : “الكبر بطر الحق وغمط الناس” ؟ ويعني بطر الحق رفضه ودفعه وأما غمط الناس فيعني احتقارهم ، والمستكبرون لا يقبلون الحق ولا يذعنون له وكذلك يزدرون الناس لفقرهم أو ضعفهم أو لمكانتهم البسيطة في المجتمع أو الوظيفة ، ولما كانت الجنة هي مأوى المتقين وهم عباد الرحمن الصالحين ومن أهم صفاتهم التواضع وحفظ الجناح ولين الكلام وأنهم “يمشون على الأرض هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ” .
وإذا كانت الجنة هي مأوى هؤلاء العباد الصالحين المتواضعين الذين يمشون على الأرض في بعد عن الجفاء والغطرسة والتعالي والكبرياء ، فإنها محرمة على الذين ينازعون الله تعالى في عظمته وكبريائه . ومن هنا صرح الرسول صلى الله عليه وسلم : “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ” لأنه نازع الله تعالى كبرياءه وجلاله .
لا تمش على الأرض مرحا
يقول الله تعالى : “ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا ، إن الله ر يحب كل مختال فخور” ، وأن المؤمن الصحيح هو – كما وصفه الرسول – متواضع هين لين سمح ودود ، وأما اللمتكبر فهو مغرور ومحتال وغليظ اللسان معجب بنفسه ومتعاظم بمنصبه أو وظيفته وماله ومركزه ، وأن الإنسان الذي يغتر بجاهه الفاني وماله الزائل ومنصبه المؤقت إنسان تعس ومسكين لا يعرف قدر نفسه ومآله ومآبه وهو يجلب لنفسه بغباوته وحماقته مقت الله والملائكة والناس ، وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم من مغبة داء الغرور وأن ثمن فتات الغرور فادح وباهظا ولا يدفعه إلا الحمقى والسفهاء ، وينتبه إليه العقلاء من أولي الأبصار .
وقال الشاعر العربي الحكيم مشيرا إلى مغبة الاغترار بطيب العيش ونسيان الذات في غمرة الحياة ونشوة النعم :
لكل شيئ إذا ما تم نقصان ولا يغر بطيب العيش إنسان !