الخليج اليوم – قضايا إسلامية الثلاثاء 21-أبريل-1987 م
إن المعاملة بين الناس فن له قواعد وأسس وأنظمة ، وقد أعطى كل الأديان السماوية والوضعية ، كل الشرائع والدساتير ، وفكر في ترسيخ قواعد هذا الفن وضبطها وتدعيمها حكماء الدنيا وفلاسفة العالم ، قديما وحديثا ، وألفوا فيه الكتب ودونوا فيه المصنفات وألقوا عنه المواعظ والخطب وكل هذا أو ذاك لأهمية هذا الفن في حياة الإنسان ، وفي جعلها آمنة مطمئنة وهادئة وسعيدة ، ولا يستقيم الأمر لقوم ولا يستقر الأمن ببلد ولا يستتب السلام في مكان ، ولا يتحقق الوئام بين الأفراد والجماعات في أي زمان ومكان إلا بتنظيم المعاملات بين مختلف الأصناف من الناس ، سواء في البيت أو المجتمع أو البلد أو العالم بأجمعه ، على أسس سليمة وصحيحة وقويمة ، وعلى قواعد عادلة وطبيعية ومنصفة ، لأن حب الذات وعمل الخير ونشدان الفضل من الفطرة الإنسانية فكل أمر يخدش الشعور ويغمز الضمير لأي إنسان يحدث التنافر والتحاقد في قلبه تجاه من يسبب لذلك فيؤدي حتما إلى الفوضى في صفوف الناس .
وعلى أساس هذه الحقائق الفطرية والنواميس الطبيعية قد جعل كل نظام في الكون ، سواء أكان نظاما دينيا أو ماديا ، وبعبارة أصح ، سماويا جاء من الوحي أو أرضيا أتى من تشريعات الناس عن طريق أفكار الحكماء أو قرار المجالس العلمية أو قوانين الهيئات والبرلمانات ، العلاقات الإنسانية العادلة أساسا للمعاملات ، ومن الأمور الإيجابية الالتزامية : الدق والأمانة والاحترام ، ومن الأمور السلبية المنهية ، الخداع والخيانة والإهانة ، وأن الصدق والأمانة والاحترام المتبادل من قمة القيم الأخلاقية في فن المعاملات بينما تكون صفات الخداع والخيانة وإهانة الغير من أرذل الأخلاق الفاسدة .
وأما الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين وهدى للناس أجمعين فقد أعطى اهتماما بالغا لمسألة تنظيم قواعد المعاملات بين الناس لأن القاعدة الأولى لنظام الحياة الإسلامية إنما هي التعاون بين الناس على أساس العدل والمساواة ، وقد بين هذه القاعدة في ثلاث آيات محكمات ، الأولى :”يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (الحجرات : 13) . والثانية :”وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” ، والثالثة : “وأقسطوا إن الله يحب المقسطين” (الحجرات : 9) ، ومن هنا جاء الأثر الحكيم : “الدين المعاملة” ، وقد بين رسول الإسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الأسس الإسلامية للمعاملات بين الناس في إرشاداته القيمة بجوامع كلمه الحكيم الآتية (1) : منع التحاسد ونشر التعاطف في ضوء قوله عز وجل :”أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله” (النساء : 54) . فقال :”إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب” (رواه أبو داود) ، (2) : التحذير من الخيانة وخلاف الوعد والنفاق في المعاملات فقال : “آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان” (متفق عليه) ، (3) : تحريم الظلم والجور فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ” (رواه مسلم) .