الخليج اليوم – قضايا إسلامية الثلاثاء 27-يناير-1987 م
في هذه الأيام تتطلع الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها إلى مؤتمر رؤساء الدول الإسلامية الذي ينعقد في قمته الخامسة بالكويت ، وبصفة هذه القمة قد أخذت على عاتقها مهمة خدمة أمة الإسلام بطريق عمل مشترك تعاوني بصورة منسجمة مع مصالحها الخاصة ومصالح العالم الإنساني كله ، لأن الإسلام نظام إنساني عالمي متكامل وشامل لجميع مرافق الحياة البشرية وأن خطاب هذا النظام موجه إلى الإنسانية جمعاء ، قد علقت آمالها وفتحت أنظارها على أعمال هذه القمة وقراراتها وإنجازاتها ، بكل شغف بالغ وتطلع هادف لكي يجني أبناؤها ثمار حصاد منجزات اجتماعاتها البناءة الإيجابية ، ولا غرو في هذا التطلع ، ولا استغراب في هذا الشغف البالغ ، لأن هذه القمة خير القمم لخير الأمم ، فلا بد أن يكون حصادها خير الثمار لخير المسلمين جميعا .
في ظل راية التوحيد
وينبغي أن يذكر الجميع ، في داخل قاعة القمة وخارجها ، وفي إطار حدودها أو في بعد عن تخومها في اتفاق مع اتجاهاتها أو اختلاف مع اجتهاداتها ، لأسباب داخلية أو خارجية ، لدوافع شخصية أو قومية ، فكرية أو مذهبية ، أن الإسلام دين التوحيد الشامل العام الدائم القوي المتين ، بحيث تتجلى – أو يجب أن تتجلى – في العقيدة والعبادة والدعوة والمعاملة والعلاقة الشخصية والاجتماعية والدولية لأن شهادة المسلمين جميعا ، في كل كيفية وحالة وبيئة واحدة وهي : أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله” ، وأن شعارهم واحد في كل حين فهو : “الله أكبر” ، وكذلك تحيتهم واحدة في كل المستويات والبيئات سواء بين الملك والرعية ، والسيد والعبد ، والحاكم والمحكوم ، والخادم والمخدوم ، والصغير والكبير ، والعالم والجاهل ، والصالح والفاسق ، وفي العبادة والعادة ، وفي الوفاق والخلاف ، وفي الخطابة والكتابة وفي الاستقبال والتوديع فهي :”السلام عليكم” .
التوحيد مبعث السلام
ومن إعجاز القرآن ميزات الإسلام وخصائص الإيمان أن التوحيد أولا وبالتالي بين المجتمع الإنساني كله ، لأن إيمان الإنسان بأن لهذا الكون خالقا ومدبرا مهيمنا على شؤون كلها ، وأن للإنسان ربا رازقا وفي يده حياته وموته وحسابه ومصيره فيستقر في قلبه الإيمان بوحدة المصير للجميع رزقا وأجلا وحياة وموتا وحسابا فكلهم سواء أمام رب العالمين في العبودية والمصيرية : فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، والناس سواسية كأسنان المشط وكلهم من آدم وآدم من تراب … ومن هذا المنطلق الإيماني الراسخ ينظر المؤمن الموحد إلى الحياة فلا تطرأ في ذهنه فكرة نحو الآخرين إلى التعايش السلمي معه لأن كلا منهم ينال الحياة والصحة والرزق والهواء والماء من رب واحد ويعيش تحت سمائه وفي أرضه ، وفي النهاية يلاقي مصيرا واحدا ، حيث يوضع تحت التراب ويواري فيه وينقطع عنه كل الأسباب المادية الدنيوية الزائلة التي كان يتمسك بها ، ويحشرون جميعا يوم البعث للحساب فردا فردا فيقول رب العزة والجلال : “وكلهم آتيه يوم القيامة فردا” (مريم : 95) . ثم يقول : “ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة” (الأنعام : 94) .
وأن عقيدة التوحيد تدعو أمة الإسلام إلى تغليب روح الوحدة الإنسانية للإنسانية كلها حسب الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، على التنوعات المظهرية البيئية أو الجغرافية أو العرقية أو الإقليمية أو اللونية أو اللغوية وحتى في المظاهر الاجتماعية من المال والجاه والحكم والسلطة الدنيوية لأن الإسلام يدعو ويعلم ويوجه المسلمين إلى الاحتفاظ أو الاستفادة بهذه التنوعات الهامشية في إطار وحدة التوحيد الرباني .
وحدة العمل مدار القوة
إن الوحدة القلبية عهن طريق إيمان التوحيد والوحدة القولية عن طريق التوحيد والوحدة العملية عن طريق مظاهر التوحيد في العبادات كلها فالمسلمون في كل مكان وزمان إلى قبلة واحدة في صلواتهم ، ويصومون في شهر واحد وهو رمضان الكريم ، ويحجون إلى مكان واحد وهو بيت الله العتيق في مكة المكرمة ويزكون بصورة واحدة في تحديد النصاب والحساب ، وفي المصارف المعينة التي بينها القرآن الكريم ، وأن هذه المظاهر الإلزامية في الشريعة افسلامية ، إنما هي بمثابة تذويب عملي رباني لأمة الإسلام ، على التزام نظام وحدة العمل والأسلوب الجماعي ، ومبدأ التعاون والتشاور في شؤون الحياة كلها ، وإلى هذه القاعدة الأساسية أشار الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم إذ قال : “مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم ، مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (متفق عليه) . ويقول رب العالمين :”ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” (الأنفال : 46) .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون” (الأنعام : 132) .
من الهدي النبوي
“اليد العليا خير من اليد السفلى” (متفق عليه) .
من الأدعية المأثورة
“ربنا لالا تجعلنا فتنة للذين كفروا” (الممتحنة : 25) .