الخليج اليوم – قضايا إسلامية السبت 24-يناير-1987 م
ذا تتبع باحث منصف ودارس محايد بقلب سليم وإدراك صحيح ، المبادئ والقواعد التي وضعها الإسلام لنظام الحياة للأمة الإسلامية يجد بكل وضوح وجلاء ، من المصادر الأصيلة وهي القرآن والسنة ، وكذلك يتبين له من الحياة القدرة للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم ، أن الإسلام دين الفطرة ودين العمل ودين الحياة بكل معانيها ومفاهيمها ، وإلى هذه الحقيقة الكبرى والميزة العظمى لنظام الإسلام يشير القرآن الكريم : “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول ، إذا دعاكم لما يحييكم” (الأنفال : 24) . وأن الخطاب موجه إلى المؤمنين ، لأن الإيمان إنما هو حيثية الحكم الذي يلي ذلك الخطاب فقال : استجيبوا لله وللرسول” ، وإذا جاء أمر موجه إلى المؤمنين من رب العالمين فتستعد قلوبهم بكل خشوع وانتباه إلى الاستماع إليه والإقبال عليه والاستجابة له بكل قوة وإخلاص وصدق نية ، وبعد فتح القلوب وإعداد الألباب تأتي طبيعة الدعوة التي يجب على كل مؤمن أن يستجيب لها وهي : الدعوة إلى اتباع نظام يكفل لكل من يتمسك به ويسير عليه ويطبقه في مجالات الحياة البشرية أفرادا وجماعات ، وشعوبا وأمما ، حياة ناجحة وفالحة وسعيدة وغانمة أي الحياة الحقيقية المتكاملة .
وأما النظام الذي يقدمه الإسلام للإنسانية فإنما هو نظام يحقق للمتمسكين به جميع الصفات اللازمة والمناهج القيمة لبناء حياة متكاملة ومجدية ومحققة الغايات النبيلة والوسائل الكفيلة للفوز العظيم والنصر المبين في هذه الدنيا وفي الآخيرة ، وفي المجالات المادية والروحية حتى تكون الأمة التي تعيش على نهج هذه الحياة “خير أمة” وأحسن أمة وأمثل أمة في مرافق الحياة كلها ، وأن الإسلام يدعو أمته الحياة المثالية – بموجب نظامه المتميز – إلى أن تكون حياتها جماعية لا فردية اجتماعية لا انفرادية وانفتاحية لا انطوائية وقد منع النظام الإسلامي حياة الانزواء أو الانكماش في زاوية ضيقة أو دائرة محدودة ، بحيث تنمو في ذهنه وقلبه ، فكرة حب الذات ، وتذبل فكرة حب الخدمة ، وبالتالي تكون حياته جانبية وخدماته شخصية وتصوراته فردية كأنه عضو مستقل عن جسم الأمة الإسلامية وجزء منفصل عن بنيان المؤمنين .
وينبغي أن تكون حياة أمة الإسلام قائمة في كل الظروف والبيئات ومهما كانت الأحوال الداخلية أو الخارجية الطارئة ، على هذه القواعد التي أرسلها الإسلام ، بكل تأكيد وتشريع وتوضيح بحيث لا يجوز لأي مؤمن صحيح الإيمان أن ينفلت من التزامات تلك القواعد الأساسية ، القاعدة الأولى – حياة الأخوة ، بنص قوله تعالى : “إنما المؤمنون إخوة” (الحجرات : 10) . وقد بين الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم طريقة حياة الأخوة بكل إيضاح وإيجاز فقال : “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسههر والحمى” ، فتبين أن الأمة الإسلامية كلها كالجسد الواحد ، في الآلام والآمال وفي مواجهة صعاب الحياة والمعاملة ي سبيل مصالح كل أفرادها وأجزائها لأن أعضاء الجسم الواحد يعاضد بعضها بعضا فإذا تباعد عضو أو تداعى أو تهاون في القيام بمهمته الطبيعية يتأثر به الجسم كله .
والقاعدة الثانية – حياة التعاون والتضامن ، بنص القرآن والإرشاد النبوي وكذلك في ضوء القوانين الفطرية ويقول رب العزة : “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين” (الأنفال : 46) . وأن التعاون من أهم خصائص أمة الإسلام فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم : “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” ، وأن هذه الصفة من ألزم وسائل الحياة الجماعية فإذا فقدت أمة روح التعاضد والتعاون والتساند فيما بين أفرادها ومجموعاتها فتكون عرضة للانهيار وفتحة لتسرب الوهن والهوان إلى كيانها .
والقاعدة الثالثة – حياة التصالح والتسامح ، وكفى للمؤمنين الصادقين نبراسا واضحا لأهمية هذه القاعدة في حياة أمة ناهضة قول رسولهم الأعظم صلى الله عليه وسلم : “لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال : يلتقيان ، فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” (متفق عليه) .
وإلى أي مدى وصل الهجران بين المسلمين اليوم ؟
وكيف ينطبق عليهم نظام الحياة الإسلامية ؟ وبالتالي كيف يستحقون لقب خير أمة أخلاجت للناس ؟ وكيف تتمنى الأمة المتخاذلة في اتخاذ المنهج الذي وضعه وأقره وألزمه رب الأمم ومالك الهمم من أجل تكوين خير أمة في الأرض ، أسلوبا لحياتها ، أن تجني ثمار الخيرية وتدرك النتائج بدون مقدمات “إن الله لا يظلم مثقال ذرة ” (النساء : 40) .