الخليج اليوم – قضايا إسلامية الثلاثاء 20-يناير-1987 م
كفى لخلق العفو مكانه عند الله وعند الناس ، ومرتبة في مقياس التفاضل بين الأخلاق الفاضلة وثقلا في ميزان الثواب في الآخرة اقترانه بل إتيانه مسبوقا بصفة المغفرة في أسماء الله الحسنى وذكره رب العزة في صفات المؤمنين الفائزين في الدارين ثم ذكره سبحانه من ضمن الأوصاف الموجبة لمحبة رب العالمين ، ويقول القرآن الحكيم : “فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا” (النساء : 99) . ثم يقول : “وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور” (المجادلة : 2) . وأيضا يقول : “إن تبدو خيرا أو تخفوه أو تعفو عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا” (النساء : 149) .
ويقول رب العزة آمرا ومرشدا الإنسان إلى ضرورة التحل بخلق العفو في مواقف حياته كلها ، لكن تكون حياته مستقيمة وسعيدة ومرضية “وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم” (البقرة : 237) . وأيضا يقول : “وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم” (التغابن : 14) . ثم يقول : “وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم” (النور : 22) . وكذلك يقول :”خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” (الأعراف : 19) وذكر سبحانه وتعالى خصلة العفو في صفات المؤمنين المخلصين المستحقين لمثوبة ربهم في الدارين إذ قال : “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” (آل عمران : 134) .
ويتبين لنا من الإرشادات الربانية الحكيمة أن خلق العفو يكسب لصاحبة درجات عليا في مجالات الصفات السامية إذ أن العفو منبعها ومبعثها ومنها “التقوى” كما أشار إليه قوله تعالى : “وأن تعفوا هو أقرب للتقوى” لأن العفو يقي صاحبه ويحميه من الوقوع في آفات عديدة تنجم عن الغضب والانتقام والأخذ بالثأر ، كما أنه يوطد في نفسه صفات الحلم والصبر وغيرهما .
وكذلك يكسب له هذا الحلق الكريم محبة الله ومغفرته إذ صرح رب العزة في كتابه الكريم : “وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم” . ثم أشار إلى أنه في قمة الإحسان وأن التحلي به من المحسنين الذين ينالون محبة رب العالمين حيث قال : “والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ” .
ومن أروع الأمثلة لخلق العفو في حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي بعث رب الخلائق أسوة حسنة خالدة لكل من له ذوق سليم وفهم صحيح لحقيقة الحياة وضرورة جعلها مصدر السعادة ومنبع الطمأنينة ، هذه الواقعة التي سجلها التاريخ بمداد من النور ، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبس صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال :”لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضن نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مفهوم على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني ، فقال : إن الله تعالى قد سمع قول قولك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال ، فسلم علي ، ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأما ملك الجبال ، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت طبقت عليهم الأخشبين (الأخشب : الجبلان المحيطان بمكة ، والأخشب : هو الجبل الغليظ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” (متفق عليه) . وكذلك روي عن أنس رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه فضحك ، ثم أمره له بعطاء” (متفق عليه) .
وكان الدعاء المأثور عنه لقومه الذين قذفوه بالحجارة وأدموه بلا رأفة ولا إنسانية : “اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون “(متفق عليه) .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله ” (الشورى : 40) .
من الهدي النبوي
“ما ضرب رسول الله شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله “(رواه مسلم) .
من الأدعية المأثورة
“ربنا أفرغ علينا صبرا” (الأعراف : 126) .