الخليج اليوم – قضايا إسلامية الأربعاء 19-نوفمبر -1986 م
إن العزة كصفة يرمي كل إنسان عاقل أن يتصف بها ، وينبغي أن يكون عزيزا لدى الآخرين ، وهذه أمنية غالية ونبيلة لا غبار فيها . . ولكن المهم هو تحديد العزة التي يبغيها واختيار نوعيتها واتخاذ الوسائل الحقيقية من العزة التي تدوم ولا تتزعزع ولا تتضعضع عند التطورات المستحدثة وتغيرات الأحوال ، ومن هنا ارتبطت أسباب العزة الصحيحة وليست العزة المظهرية أو الشكلية بدعائم ثابتة وأركان وطيدة وبخصال حميدة ومنها العقيدة السليمة والمعرفة التامة لأسس الحياة الكريمة والنية الصادقة عند اتخاذ آية خطوة في مجالات الحياة بدون مداهنة أو منافقة أو مجاملة خرقاء ، ومن ناحية أخرى اليقين التام بأن العزة الحقة إنما هي عزة الإخلاص وحسن النية وحب الخير ، وبعبارة أخرى الشعور بالعزة عندما يسدي خيرا أو يقدم خدمة أو يدفع ضرا أو ينقذ مصابا أو يساعد منكوبا وفي الوقت نفسه يحسي بالذلة والخسة إذا صدر منه قول أو فعل يؤذي الآخرين أو يضر الأبرياء ، وكذلك لا يعتبر الغلبة على أحد بالباطل عزة ولا يبغي لقب العزيز أو المعزز لدى الناس ، بدون اتخاذ الأسباب اللازمة لنيل ذلك اللقب بجدارة واستحقاق وليس بخداع أو مكر أو التواء .
وإذا تصفحنا وتفهمنا الآيات القرآنية التي تناولت خصلة العزة نجد نوعين من العزة وهما العزة بالحق والعزة بالإثم ، وأما العزة بالإثم فهي الشائعة والمعروفة في أوساط الناس عموما مصل عزة الوجاهة والمكانة بين الناس بسبب المال والمنصب أو اللقب أو النسب وفي مقابل هذه العزة الجوفاء تنطفئ جذوة العزة الحقيقية والعزة المصحوبة بالكرامة والجدارة في ميزان الخلود وفي صفحات التاريخ المجيدة ويشير القرآن إلى هذا النوع من العزة الكاذبة الواهية إذ قال : “وقال بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون” (الشعراء : 44) . وكانت العزة بالإثم والمال والجاه والاستكبار ، وأصبحت تلك العزة المزعومة وبالا على صاحبها ولقومه .
ومن علامات هذا النوع من العزة الكاذبة المهلهلة الكبر والعجب واحتقار الآخرين والاستهتار بالحق والاستهزاء بالضعفاء ، وهذه تؤدي بصاحبها في النهاية إلى المذلة والعذب في الدنيا والآخرة كما أشار بالإثم فحسبه جهنم ، ولبئس المهاد” (البقرة : 206) .
وأما العزة الحقيقية المبنية على الشرف والكرامة والمنبعثة من الشجاعة على الحق والمصابرة على التزام الخير والمواظبة على خدمة الخلق ، ومقاومة الرذائل والنقائص والفواحش فهي العزة ذات القيمة والتقدير ، عند الله وأهل الخير ولدى أولي الأبصار ، وهي العزة التي تكسب لصاحبها ذكرا حسنا وتقوده إلى ثواب الآخرة ، ومن أبرز صفات صاحب العزة الحقيقية التواضع والانكسار والخضوع أمام الحق ، كما هو واضح من أهل العزة في هذا الكون ، أشرف الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : فعندما فتح مكة ودخلها منتصرا وقويا واصطف أمامه الجبابرة والعمالقة من مشركي مكة الذين طردوه وشردوه واحتقروه وعذبوه واغتصبوه بيوت وممتلكات أصحابه وأراقوا دماء ضعفاء المسلمين ، لم تأخذه عزة الانتصار وعزة الانتقام وعزة الغلبة على الظالمين ، ولكنه دخل مكة خاشعا ومتواضعا وأعلن في عنفوان قوته وسلطته ، أمام المقهورين من الكفار المتلبسين بالظلم والإثم : اذهبوا فأنتم الطلقاء” فكانت هي العزة بحق التواضع وعزة الانتصار ، وهكذا ثبت الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أن العزة في الانكسار عند الغلبة وفي التواضع عند القوة ، وأن السفهاء لا يفهمون هذه الحقيقة المرة وأن المنافقين لايعلمونها ويقول رب العزة : “ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون” (المنافقون : 8) .
قبسات مضيئة
من القرآن الكريم
“من كان يريد العزة فلله العزة جميعا” (فاطر : 105) .
من الهدي النبوي
“نعمتان مغبون فيهم كثير من الناس : الصحة والفراغ” (رواه البخاري) .
من الأدعية المأثورة
“اللهم أغنني بفضلك عمن سواك” (رواه الترمذي) .