الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 13-أبريل-1986 م
إن الدين الإسلامي هو النظام الإلهي الفطري لتحقيق الخير والسعادة للبشرية جمعاء ، كما صرح به رب العالمين في كتابه المبين مخاطبا رسوله الكريم ومبينا غرض بعثته على وجه الأرض فقال : “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء : 107) ، فيجب أن يكون كل مسلم يتبع هذا الرسول صدقا وحقا أنموذجا للرحمة والمنفعة للناس جميعا ، وإلى هذا الهدف المنشود يشير الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم : “الراحمون يرحمهم الرحمن” .
وقال أيضا : “خير الناس أنفعهم للناس” ، ويتبين من هذا أن الإسلام يعلم أتباعه مبدأ الترابط ، والتأخي بين الإنسان وأخيه الإنسان بصرف النظر عن فوارق الجنس واللون واللغة والحدود الجغرافية وغيرها من الحواجز الظاهرية الكونية ، وأن الآية الأولى من سوره الفاتحة التي يرددها المسلم ليلا ونهارا ، سرا وجهارا ، تذكره بكل جلاء ووضوح أن الله سبحانه وتعالى رب العالمين جميعا وليس رب شعب أو قوم أو مجتمع أو أمة أو جيل دون آخر ، فلا بد من أن يضع كل مسلم يتفقه فحوى هذه الإشارة الإلهية نصب عينية ما يهدف إليه دينه الفطري الذي أشار إلى طبيعته بكلام محكم ومعجز : “فأقم وجهك للدين حنيفا ، فطرة الله التي فطرالناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون” (الروم : 30) . فأما الدين الإسلامي فهو فطرة إنسانية فبالتالي فهو ضرورة اجتماعية لربط الأفراد والجماعات برباط المحبة والتعاون والبر والاحترام المتبادل لتحقيق أمن البشرية وسعادتها وتقدمها ، ومن هنا تتحقق الرحمة المشار إليها في بيان غرض بعثة خاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم : “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” بصيغة الحصر والتأكيد .
المسلم مصدر الخير والرحمة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ” (متفق عليه) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ، تعدل بين الاثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها صدقة أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ” (متفق عليه) .
ويتضح مدى ضرورة كون المسلين مصدر خير وبركة ورحمة لكل من يتصل بهم من الأقرباء والأصدقاء والجيران والمسافرين والزائرين وغيرهم ، مهما كانوا في بعد عن الدار أو القرابة أو الزمالة ولكن المعيار الوحيد العاطفة الإنسانية بصرف النظر من الاعتبارات الأخرى من اختلاف الدين واللغة واللون والوطن ، من هذه الآية القرآنية الشاملة العامة : “واعبدوا الله لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانهم ، إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا” (النساء : 36) .
وقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم مبينا صفات المؤمنين الصادقين الذين يكونون مصدر الخير والرحمة دائما ولا يصدر منهم شيئ يعكر صفو الآخرين ويخدش أحاسيسهم ويجرح ضمائرهم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (متفق عليه) . ثم قال هاديا ومرشدا : “لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يتبع بعضكم على بيع بعض ، كونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم : لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله ، التقوى هاهنا – يشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ” (رواه مسلم) .
وقد وضع رسول الله صلى الله عليه سلم المعيار الدقيق ليوزن به مقدار ثقل الإيمان وخفته في قلب إنسان بحيث يستطيع كل شخص أن يدرك بثاقب فكره ووزاع ضميره مقدار ذلك التوازن بدقة وأمانة وثقة فقال : “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” (متفق عليه) . وقال أيضا : “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” (رواه مسلم) .
مساعدة الجيران وصلة الأرحام
وأن مساعدة الجيران وعدم إيذائهم من أهم واجبات المسلمين وأوضح صفات المؤمنين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” (متفق عليه) .
وجاء في حديث رواه الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه” أي الشرور والأضرار . وقال أيضا : “خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه ، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره” (رواه الترمذي) .
وكفانا إرشادا وهداية لمعرفة مدى أهمية صلة الأرحام ومعاونة الأقارب قوله صلى الله عليه وسلم : ” من أحب ان يبسط له في رزقه ويسأله في أثره ، فليصل رحمه” (متفق عليه) . أي يؤخر له في أجله ويطول له في عمره .