الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 9-أبريل-1986 م
إن العقيدة مقرها القلب وإنما تأتي بالقناعة بالشيء الذي يؤمن به وهي الدافع الحقيقي لممارسات الجوارح وأعمال الإنسان وأقواله ، فالإسلام دين الخلق الحسن والمعاملة الطيبة وأن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم قد بعث رحمة للعالمين جميعا بنص القرآن الكريم إذ قال : “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء : 107) ، فالمفهوم من هذه الآية أن الغاية من ابتعاثه صلى الله عليه وسلم إلحاق الرحمة للناس جميعا بل ولكل المخلوقات ، وجاء في الأثر أيضا “الدين المعاملة” ، فلا تحقق الغاية القصوى من التدين لأي فرد أو جماعة بدون الخلق الحسن والسلوك الطيب والأخوة الإنسانية وأن المجتمع الذي يهدف الإسلام تكوينه بمنهجه هو مجتمع عطاء ووفاء ومجتمع إيثار تعاون وتضامن ، وإن كل فرد من هذا المجتمع المثالي يقوم بواجباته وحقوق سلوكه بشعور بالمسئولية لا لأجل مجاملة أو مداهنة أو دعاية وأن المثل الأعلى في كل ذلك هو الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وهو وحده محل القدوة والأسوة ومصدر التلقي فقال تعالى : “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ” (الأحزاب : 21) . ويكون المسلمون أنموذجا عمليا للحياة الإسلامية حسب المنهج الإسلامي .
وأن أي إنسان في أي مجتمع لا يستغني عن اللقاءات والاجتماعات والمقابلات مع الآخرين ، ويجب أن يكون سلوك المسلم في هذه اللحظات مطابقا لمنهج الإسلام الذي هو الحاكم على سلوكه ومعاملاته ، فلا يكون النظام الإسلامي خاليا عن المنهج الدقيق الصريح في هذا المجال الذي له أثر واضح وبعيد المدى في الحياة الاجتماعية لأمة الإسلام فقد تناول القرآن الكريم عدة جوانب المعاملة السلوكية في قدوة النبي صلى الله عليه وسلم ومنها قوله تعالى :”واخفض جناحك للمؤمنين” (الحجر : 88) . ثم قال : “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” (آل عمران : 199) . وأن الخلق الحسن والسلوك الطيب هو الذي يؤلف بين القلوب ويغري الناس بمحاسن الإسلام .
فضل المتحابين في الله !
لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيئ إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم” (رواه مسلم) .وقال أيضا :”سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ، ورجل قلبه متعلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله واجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ” (متفق عليه).
وجاء في حديث آخر : “إن الله تعالى يقول يوم القيامة ، أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي” (رواه مسلم ) ، وجاء في رواية أخرى للإمام مسلم رصي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكا وقال : إن الله أحبك كما أحببته فيه” ، وقد روى الإمام الترمذي من معاذ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “قال الله عز وجل ، المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء” ، وأما الآيات والأحاديث التي تحث على استمرار اللقاء بين الأخوة حبا في الله وتخلقا بالآداب الإسلامية فكثيرة وفي مقدمتها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “قال الله تعالى وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في ” (رواه مالك في المؤطأ) .
استحباب المصافحة والمعانقة والبشاشة عند اللقاء والاستقبال
إن المصافحة عند اللقاء بين الأخوة وعند استقبال الضيوف والقادمين من السفر مستحب في السنة النبوية فقد جاء في رواية للإمام البخاري أنه سئل أنس رضي الله عنه : أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “نعم” (البخاري) . وروى الإمام أبو داود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا ” . وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قصة قال فيها : “فدنونا من النبي صلى الله عليه وسلم قلبلنا يده ” ، وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت : “قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، فأتاه فقرع الباب ، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله (رواه الترمذي) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق” (رواه مسلم) .
حكم السلام على النساء الأجنبيات
روى عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت : “مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم عليهم” (رواه أبو داودوالترمذي) ، وجاء في حديث رواه البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : كانت فينا امرأة تأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر فإذا صلينا الجمعة وانصرفنا نسلم عليها فتقدمه إلينا (البخاري) ، وفي رواية للإمام الترمذي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما ، وعصبة من النساء قعود فيها فألوى بيده بالتسليم .
الانحناء مكروه
روى أنس رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله ، الرجل منا يلقي أخاه أو صديقه أينحني له قال : لا ، قال : أفيلزمه يقبله ، قال : لا ، قال : فيأخذه بيده ويصاحفه ؟ قال : نعم ” (رواه الترمذي ، وقال :حديث حسسن) . ومن آىداب اللقاء أيضا ، تسليم الصغير على الكبير والراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل على الكثير ، وأن أولى الناس على كل حال هو البادئ بالسلام والسابق إلى اللقاء حبا وإخلاصا ….