الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 18-مارس-1986 م
إن الغاية من الشيئ تعني المراد أو الهدف المنشود من إيجاده وصنعه وأن كل شيئ في الوجود له هدف وغاية وأي استخدام له في خارج حدود ذلك الهدف أو تلك الغاية يعتبر ظلما وانحرافا عن الطريق المستقيم لأن الظلم هو : “وضع الشيئ في غير موضعه” وأما الانحراف فهو : “الخروج عن جادة الطريق” ، ويقول الله سبحانه وتعالى عن غية خلق الكائنات ” إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسجاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون” (البقرة : 164) .
ويقول الله تعالى مشيرا إلى مشيئته وإرادته في خلقه : “وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق” (الحجر : 26) . وأيضا يقول : “وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا” ، ويقول عن جدية الخلق والغاية منه :” وما كنا عن الخلق غافلين” (المؤمنون : 17) . وكذلك يقول سبحانه وتعالى : “وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين” (الدخان : 38) .
لا الصدقة ولا المصادفة في خلق الله
لقد ثبت لكل ذي عقل سليم وفهم صحيح أن النظرية الصدفة أو العشوائية في خلق الله سبحانه وتعالى لأي شيئ من مخلوقاته ولو مثقال ذرة أو أصغر منها نظرية باطلة ومتناقضة للقوانين الطبيعية المشهودة والأدلة العلمية الثابتة ، ويؤكد القرآن الكريم هذه الحقيقة في عدة آيا محكمات لتزول الظنون عن أذهان الضعفاء ولتذهب أضاليل المضللين هباء منثورا : ” ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيئ فقدره تقديرا ” (الفرقان : 2) . ويقول أيضا : “إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيئ قدرا ” (الطلاق : 3) . وإن الخلق والتدبير والتنظيم ثابت لكل شيئ في الكون ولا يخلو مخلوق فيه من غاية وهدف من خلقه ونظام بقائه وتدبير حالاته وشؤونه ، وإلى ذلك الحق المبين يشير القرآن الحكيم فيقول : “هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ” (الروم : 27) . ثم قال : “فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ” (الروم : 30) . وقال : “قال ربنا الذي أعطى كل شيئ خلقه ثم هدى” (طه : 50) .
لم يخلق شيئا عبثا
ومن الواضح حقا وواقعا وعقلا أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق شيئا في هذا الكون عبثا فما بال الإنسان الذي هو أكرم المخلوقات وأشرفها ، وقد خلقه رب العالمين خليفة له في أرضه ، وقد قال جل شأنه مؤكدا أو موضحا هذه الحقيقة الفطرية ومذكرا الإنسانية كلها : “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون” (المؤمنون : 115) . وإذا أدرك الإنسان العاقل هذه الحقيقة التي لا تبديل فيها ولا تحويل ، فهو يتساءل متطلعا إلى معرفة كنه الغاية المنشودة من خلقه ، والطريق المطلوب سلوكه في حياته الدنيا لتكون هادفة ومحققه لغاية خلقه ووجوده على وجه الأرض فيتدارك سبحانه وتعالى حيرة عباده ويبين لهم طرق الهداية والرشاد ليصلوا إلى الهدف المراد بينه وحكمه فيقول : “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” (الذاريات : 56) . ثم يقول : “يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم” (البقرة : 21) .
لماذا خلق الإنسان ؟
لقد أدركنا بوضوح وبينة أن الغاية من خلق الإنسان هي عبادة الله سبحانه وتعالى وإطاعته وتنفيذ أوامره وأحكامه وإسلام الوجه لله في كل حركاته وسكناته ويتحقق هذا الهدف المنشود عندما يكون مدركا رسالة الله التي أنزلها لعباده ليسيروا على نهجها وفي نورها في حياة كلها ، وبالتمسك بهذه الرسالة يكون مطيعا لخالقه وعندئذ يدخل في زمرة عباده المقربين ، ويسجل في سجل الفائزين برضا ربع والحائزين على ثوابه وكرمه .
فادخلي في عبادي وادخلي في جنتي
وإذا ادى الإنسان حقوق وواجبا العبودية الخالصة لخالقه ورازقه وربه وما لله جميع مرافق حياته يدخل في عباده الصالحين المقربين إليه ، وقد خلق الجنة خاصة لعباده ولا يتصور عقلا ومنطقا في كل المعايير والمقاييس ، أن يسمح صاحب جنة أو حديقة فارهة لأعدائه ومخالفيه الدخول فيها والتمتع بنعيمها فمن أراد الدخول فيها والاستمتاع بها فيبذل أقصى جهوده للتقرب إلى صاحبها لنيل رضاه حتى يكون في زمرة المقربين إليه راضين مرضيا .
فقد ثبت لنا ثلاث حقائق ثابتة عقلا وشرعا وقانونا ومنطقا فهي : أن الغاية من خلق الإنسان هي عبادة الله تعالى بإسلام حياته كلها له وإطاعة أوامره وهدايته وأن هذه العبادة المطلعة تحقق له مرضاة خالقه وطمأنينة نفسه وسعداة قلبه وأن خالق الكون ورب العباد قد هيأ لعباده المطيعين الراضين جنلت النعيم فضلا منه ورضوانا وخبراء وفاقا .
وقد اوضحت هذه الآية الكريمة القصيرة الرائعة في الإعجاز والحكمة في الإيجاز هذه النقاط الثلاث : “يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية ، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” . صدق الله العظيم .