الخليج اليوم – قضايا إسلامية – السبت 8-فبراير-1986 م
روى الشيخان الإمام البخاري والإمام مسلم رضي الله عنهما تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “الدين النصيحة قاله ثلاثا ، قلنا : “لمن يا رسول الله ؟ ، قال : “لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ” . ويتضح من هذا الإرشاد النبوي النصيحة هي قوام الدين وعلى هذا فهي فرض على كل مسلم ومسلمة في كل زمان ومكان . وجاء في حديث متفق عليه عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال :”بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم” ، فكل مسلم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عليه السلام أن يكون ناصحا لكل مسلم والنصح يأتي بمرتبة الفروض العينية مثل الصلاة والزكاة .
النصيحة وظيفة الأنباء
وإذا تتبعنا الآيات القرآنية التي تتناول وظيفة الأنبياء والرسل ومناهج دعوتهم إلى الهدى والخير يهدي أن النصيحة ، كانت هي الطريقة التي اتبعوها في إبلاغ الدعوة إلى الناس ، في جميع الأزمنة والأمكنة . ويقول الله تعالى إخبارا عن نوح عليه السلام أول الرسل من أولو العزم الخمس : “أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم” (الأعراف : 62) . ويقول عن هود عليه السلام : “أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين” (الأعراف : 68) .
وأنا النصيحة فهي التواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإخلاص وصدق نية وبدون أنانية وحب النفس وعدم الرغبة في الثناء والأجر .
وهذه من الصفات اللازمة لوظيفة النصيحة ولهذا أكد الأنبياء عليهم السلام وهو أمناء الدعوة وقدوة الدعاة في كل زمان في مجال إبلاغ رسالاتهم إلى الناس كما أخبر القرآن في عدة سور عن ألسنة الأنبياء “وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين” .(الشعراء :109 ، 127 ، 145 ، 164 ، 180) .
الشدة في الدعوة تناقض النصيحة
النصيحة في اللغة العربية تعني الإخلاص والمودة والإصلاح “والناصح” يعني الخالص النقي والصافي وما إلى ذلك من المعاني النيلة التي تدل على الإرشاد بالود واللين إلى الخير ، والرعاية بالرفق واللين ، يقال في لسان العرب : “وجل ناصح الجيب” أي نقي القلب لا غش فيه . وهكذا تدور المادة بفحواها ومعناها حول الصدق والود والإخلاص وكل هذه المعاني تناقض الغلظة والشدة والرياء وحب الذات ، وفوق كل هذا النصيحة مهمة رسل الله الكرام فيجب على كل شخص أن ينصب نفسه لتولي هذه المهمة أي الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يتخذ منهج الرسل نبراسا وأسوة ومنهاجا في جميع أدوار وأطوار قيامه بالدعوة .
الدعوة بالتواصي
ينبغي للدعاء في كل بيئة وظروف ، أن يفهموا ويدركوا جيدا مفهوم “الدعوة” لغة وشرعا لكي تسير مهمتهم في مدار المنهج الإسلامي الدقيق الصحيح بعيدا عن الفلتات واللفتات التي تخرجها عن أساليبها السليمة وتنحيها عن مدارج غاياتها المنشودة .
وأن مادة “دعا” التي اشتقت منها لفظ “الدعوة” و”الدعاء” و”الدعوى” تتضمن في الحقيقة وفي الواقع ، معاني : الرغبة ، والاستعانة ، والرجاء . وأما الداعي فلا يدعو مدعوة إلا لإعطائه خيرا ونفعا وكما أن لمدعو لا يتوقع من استجابة دعوة الداعي إلا خيرا منه .
ومن هنا نفهم مغزى التعبير الإعجازي للقرآن الكريم إذ عبر عن مهمة الدعوة التي هي الأمر بالمعروف والنهي بكلمة التواصي فقال : “وتواصوا بالحق” . أي وصى بعضهم بعضا لكي يصل خيرها لكل الطرفين .
ويدل سياق الآية وهي : “والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” على أن الانحراف عن أحد من هذه الصفات والقواعد الأساسية لبناء الأمة الفائزة الناجحة ليؤدي حتما إلى الخسران المبين ، فكما تفوز الأمة بتوفير هذه الشروط الأربعة : الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، تخسر ببطلان أحد هذه الشروط وانحرافه عن قاعدته السليمة فإذا انقلب التواصي إلى التناحر أو التفاخر أو التنافس الناشئ من حب الذات والأنانية والابتعاد عن مفهوم النصيحة والمودة .
مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إنما المراد بالدعوة الإسلامية هو الدعوة إلى الخير بمعناه الأعم ، والأشمل لجميع مرافق الحياة البشرية لخيري الدنيا والآخرة ، وأن الدعوة إلى الخير المطلق لا يتصور أن تشوبها أية شائبة للشر للمدعوين من قبل الداعي أو من الأمور التي يدعوهم إليها فإذا حصل شيئ يخالف مفهوم الخير من أقوال وأفعال وسلوك الداعي ، تجاه مدعوية ، فقد حرف دعوته عن مسلكه الصحيح وانحرف عن أسلوبها السليم .
وإما لفظ “أمر” فيعني طلب فعل الشيئ كما أن لفظ “النهي” يعني منع فعل الشيئ فلا ينبغي أن يخرج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن حدود الأسوار الثلاثة : النصيحة والتواصي والخيرية . فلنتخذ هاتين الآيتين نبراسا لمهمة الدعوة والدعاة .
1 – “ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون” (آل عمران : 104) .
2 – “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” (آل عمران : 110) .