الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 5-يناير-1986 م
لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه أقرب إلينا من حبل الوريد ، إّ قال في كتابه الكريم : “ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ” (ق : 16) ويقول سبحانه أيضا في سورة الملك : “وأسروا قولهم او اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” . وهل هناك في السماوات والأرض وفيما بينهما ، شيئ أقرب إلى الإنسان من ربه الذي خلقه وصوره وجعل له السمع والبصر والفؤاد ، ونفخ فيه من روحه ، وأخبر أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . وهل هناك من يسمع نبضات قلب الإنسان ويعلم السر والحهر مثلما يسمع ويعلم علام الغيوب واللطيف الخبير ؟
وهل ندعو الأقرب أو غيره ؟
وإذا فهمنا فحوى ومغزى هذه الآية الكريمة حق الفهم فكيف نبحث عن غيره لنقدم شكوانا ونطلب النجدة والغفران ، وكيف نطلب الوسطاء والوكلاء لا يصال ما في ضميرنا وطلبنا إلى الله تعالى فهل هناك أحد يعلم الجهر وما يخفي ممن أقرب إلينا من حبل الوريد ، ويعلم ما في الصدور ؟
ويقول القرآن مقرعا أسماعنا وملفتا أنظارنا وموقظا ضمائرنا إلى هذه الحقيقة المرة : “قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ” (الإسراء : 57) .
وهل هناك من يجيب المضطر إذا دعاه سوى الله ؟ وهل هناك من يقول للشيئ ” كن” فيكون سوى الله ؟ “إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيئ وإليه ترجعون” .
وإذا كان سبحانه وتعالى هو أقرب إلى الإنسان من كل شيئ وأعلم ما في قلبه وما يخفيه في صدره من أي مخلوق في السماوات والأرض ، فلماذا يببحث عن غيره ليرعاه ويحفظه ويجيب دعاءه ؟
وهو معه في السر والعلن
وأيضا أرشدنا الله سبحانه وتعالى بمحض فضله ونبل كرمه أنه معنا دائما ليملأ قلوبنا طمأنينة وسكينة وقرارا ولكي نلجأ إليه وحده بأقصر الطرق وأسرع وقت عند طلب الرعاية والعناية والنجاة ، فقال بكل صراحة ووضوح وكرم وفضل على عباده الحياري : “ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ، ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ، ولا أدنى من ذلك ولا أكبر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيئ عليم ” (المجادلة : 7) .
بيده ملكوت كل شيئ !
وإذا مان سبحانه وتعالى هو الأقرب إلى خلقه وأعلم بأمره ويده ملكوت كل شيئ فإن مقادير الإنسان كلها بيده وحده ، ولن يكون هناك مخلوق ، كائنا من كان ، يملك العزة والملك إلا من عند الله العزيز الكبير . ومن الجهالة أو الحماقة أو من استهواء الشياطين ، أن يلجأ إنسان عاقل إلى غير الله تعالى ، لكشف الضر أو نيل الرزق أو دفع المصائب وحين يعرف الإنسان المؤمن هذه الحقيقة لا يرجو إلا مرضاة الله تعالى ، ولا يدعو إلا هو عند السراء والضراء ولا يعبد أحدا أبدا ولا يخشى أحدا ولا يجعل الزلفى أو القربى إلى الله تعالى الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد ، فيكون مؤمنا مطمئنا ، موحدا خالصا وراضيا مرضيا . وإلى هذه العقيدة الصافية يشير القرآن الكريم :” وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو” (الأنعام ” 17) وأيضا : “إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره ، وإن أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته” (الزمر : 20) .
وكذلك يقول : “فلا يملكون لكشف الضر عنكم ولا تحويلا” (الإسراء : 51) .
هو الأكبر والأقرب والأقدر !
وإن العارف بصفاته تعالى وكمالاته في خلقه وشؤونه وعظمته وجبروته ، يفيض قلبه إيمانا مطلقا بأن مصيره كله بيده إنه الأكبر من كل شيئ وأقرب إليه من كل شيئ وأقدر عليه من الكل في الكل . وأن الله سبحانه وتعالى قد بين لعباده المخلصين ، الذين لهم قلوب يفقهون بها وآذان يسمعون بها وأعين يبصرون بها فقال : “وما كان الله ليعجزه من شيئ في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ” (الأحزاب : 27) .