الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأربعاء 15-يناير-1986 م
إن العقلاء من الناس يعرفون جيدا ، بإدراكهم الواعي ، أن ثمرة وجود الإنسان على وجه الأرض هي التي تبقى بعد انتهاء حياته الدنيا وانتقاله إلى الدار الآخرة . ولهذا يحرص الإنسان المدرك الواعي على ترك أثر وجوده دليلا على حياته وأثرا يبقى له بعد مماته . وأن كل لحظة من لحظات حياته في هذه الدنيا وما يعمله فيها من خير أو شر يتم تدوينه وتسجيله بكل دقة وأمانه على أن يجني ثماره إن عاجلا أو آجلا فيقول القرآن الكريم الذي جاء دستورا خالدا فطريا للبشرية جمعاء : “إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا على آثارهم وكل شيئ أحصيناه في إمام مبين “دبس” .
إن من حق الإنسان أن يترك أثارا طيبه
ويجب على الإنسان أن يقدموا من الأعمال والخدمات ما يترك بها من أثر طيب وجميل يذكره الناس به ويدعوا له كلما يندفعون منه وأن وجود الإنسان – كما تمت الإشارة إليه وفي حلقة سابقة في هذا المكان – عى وجه الأرض في هذه الحياة الدنيا كشجرة قد تكو مثمرة وثمارها حلوة ومفيدة للإنسان والطيور والحيوان وقد تكون غيرر مثمرة أو تكون ثمارها مرة أو غير مفيدة وفي كلتا الحالتين تكون منفعتها عديمة أو بلا جدوى ، ومن أجل تحقيق هذا المعنى النبيل قد شبه الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم الإنسان المؤمن بشجرة النخيل التي يكون كل جزء منها نافعا وصالحا للانتفاع به واغتنامه .
وأن الذين لا يدركون قدر الحياة قيهم أو قدرهم في الحياة لا يحسنون التصرف فيها ويضيعون فيما لا طائل تحتها من ضغائر الأمور وسفاسف الأعمال ، وأنهم في واقع الحياة أموات بين الأحياء وزيادة في عدد السكان وتضخم في أبواب الحياة المتطورة وفي مثل هؤلاء الذين هم كأشجار الحنظلة في ساحات الحياة ، يقول الشاعر ، حقا وصدقا وواعا : –
يغض على الجهل أجفانــــه ويرضى من العيش بالكاسد
وليس له في غضون الحياة سوى النفس النازل الصاعـد
فذاك هو الميت في قومــــه وإن كان في المجلس الحاشد
لو كان الإنسان بواجبه وأخلص ونشط من عمله فهو يغرس شجرة المحبة والاحترام لدى الناس ، وأن تقديم المساعدات للناس والعون لهم في إطار الواجب ونظام العمل ، سواء في المكتب والمتجر والمصنع وفي البيت وخارجه ، وكله يترك أثرا لصاحبه في حياته . ويدعوه الشاعر الحكيم : –
فاغرس من الفعل الجميل فضائلا فإذا غزلت فإنها لا تعزل
وأن الإنسان الذي يعيش بنفسه لنفسه على هيئة واحدة ورتابة روتينية لن يكون لوجودة أثر طيب يخلد ذكراه في الحياة ، ولا يستفيد منه المجتمع ولا يزد هربه الوطن .
والذكر بعد الموت عمر ثان !
وقد أشار بعض الشعراء إلى أن الآثار الطيبة التي يتركها الإنسان بأعماله وخدماته وجهاده من هذه الحياة الدنيا ، بمثابة عمر ثان له بعد وفاته ، حيث قال :-
فاجعل لنفسك بعد موتك ذكرها والذكر بعد الموت عمر ثان
وأن الذكر الطيب هو كنز ثمين يدخره المرء لنفسه بعد فراقه هذه الحياة الدنيا القصيرة الفانية . وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على ذكر الموت الذي يقطع كل متع الحياة الدنيا ، ويرحل إلى دار البقاء حاملا زاده الذي ادخره في هذه الحياة ، وأماا الزاد الذي ينفعه في تلك الدار الآخرة فهو التقوى والعمل الصالح فيقول القرآن الكريم : “فتزودوا فإن خير الزاد التقوى”
ويقول أيضا : “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغط واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون . ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك عم الفاسقون لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة وأصحاب الجنة هم الفائزون” .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة ” ، وقال في حديث آخر : “إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم ينتفع به ، وولد صالح يدعو له ” . وهكذا حث رسول رب العالمين ، العالمين جميعا على زرع الآثار الطيبة والأعمال الصالحة الخالدة لقطف ثمارها وقطع حصادها بعد الرحيل من هذه الحياة إلى دار القرار والخلود .