الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الثلاثاء 14-يناير-1986 م
إن أسمى غاية الإنسان العاقل الواعي في هذه الحياة الدنيا هو نيل السعادة والنجاة له ولأولاده وأهله وأقاربه وأصدقائه المخلصين . ويدرك بثاقب فكره أنه لا يعيش بمفرده في هذه الحياة بل بتعاون وتساند وتناسق بكائنات عديدة في هذا الكون الواسع في حركاته وسكناته ومأكله ومشربه وملبسه ومسكنه ومن هنا يحمد الله تعالى بلغة العموم على تربيته الكائنات كلها : “الحمد لله رب العالمين” وأن أي خلل في نظام الكون العام يؤثر مباشرة على حياته . ويدعو كذلك بصيغة الجمع دائما فيقول : “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” . وأن الصيغة المفروضة على كل مسلم في صلواته كلها هي صبغة الجمع فيقول : “اهدنا الصراط المستقيم” . وهذا دليل مادي ملموس على أن الإنسان مدني بالطبع واجتماعي بالفطرة .
لا يحصد إلا ما زرع
ومن القوانين الطبيعية أن كل إنسان إنما يحصد ما زرع إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا ، “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” . وهذا قانون يسري على الجميع فكل إنسان مكلف بالنظر فيما يزرع سواء في الدنيا أو الآخرة لأن الدنيا مزرعة الآخرة .
وإذا كان الفوز والنجاح والسعادة في الحياة الدنيا بمقدار عمله وكيفيته وبمقدار إخلاصه وانتظامه فيه فإن الفوز والنجاة والسعادة في الحياة الأخرى يتحقق بنفس المعيار والمواصفات فيقول الله تعلى : “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ، ثم يجزاه الجزاء الأوفى ، وأن إلى ربك المنتهى ” . ثم قال : “إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى ففسنيسره بالعسرى ، وما يغني عنه ماله إذا تردى إن علينا للهدى ، وإن لنا للآخرة والأولى ” .
وأن المسلم الذي يؤمن باليوم الآخر ليحرص على النجاة في الدار الآخرة أكثر مما يحرص على النجاة والفلاح في الدار الدنيا لأن الدار الآخرة خيرر وأبقى بنص القرآن وبنواميس الفطرة الكونية فيقول الله تعالى : “بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى” . وهو الذي يصون هذه الحياة من الضياع ويحفظها من الأدران والذنوب وشوائب الخرافات ويدخر فيها من الأعمال الصالحات للدار الآخرة الباقية دائما وأبدا .
الترشيح للفوز الأعظم !
لقد رشح الإسلام مواصفات وواجبات وشروط لنيل مرضاة الله تعالى ولتحقيق أعظم فوز في الدنيا والآخرة . والذي يجتاز تلك الاختبارات بنجاح وكفاءة وجدارة يتقلد وسام الفوز المبين وينال مرضاة رب العالمين ويتبوأ “مقعد صدق عند مليك مقتدر” .
ومن هذه التشريحات القرآنية : “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ” . وأيضا : “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ذلك الفوز الكبير” .
وكذلك يقول الله تعالى في سورة الحديد : “يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، ذلك هو الفوز العظيم “.
ويتضح من هذه الآيات أن المسلم ينال درجة الفوز العظيم بالقيام على أوامر الله تعالى ورسوله الأمين وإطاعتهما بإيمان وصدق وصبر ونفس طويل في مجال المحافظة على الفرائض والواجبات المكلف بها . وهذا يتطلب منه التقوى والدرجة القصوى من التحمل والاصطبار ، وإلى هذه المرحلة العويصة يشير القرآن الكريم : “إنه من يثق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين” .ويقول الله تعالى مخاطبا رسوله الكريم : “فاصبر لحكم رك ولا تطع منهم من آثما أو كفورا” .
البشري للمؤمنين في الدنيا وفي الآخرة
وجاء أسمى بشري لمن كان قائما على طاعة الله ومحافظا على فرائضه وشرائعه : “التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين” (التوبة : 112) . وكما قال الله تعالى في كتابه عن مكانة المتقين المبشرين بالجنات والنعيم المقيم في الدار الآخرة : “وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود، لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد ” (ق : 31-35) .
ومن الآيات الواردة في البشرى للمؤمنين الصالحين : “ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ، ماكثين فيها أبدا ” (الكهف : 3) .
“وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ” (يونس) .
وقد جعل الله سبحانه وتعالى البشرى والفوز العظيم للذين يبلغون درجة الإيمانبالله والتوكل عليه . درجة التقوى بالمحافظة على أمر الله وطاعته ، فقال : “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ” (يونس:64) .
ويتجلى من هذه الآية بكل وضوح أن أولياء الله هم المؤمنون المتقون ولهم البشرى والفوز المبينن في الدارين .