الخليج اليوم – قضايا إسلامية – الأحد 29-ديسمبر-1985 م
لقد أودع الله سبحانه وتعالى في هذا الكون ، سماواته وأرضه ، وبحاره وجباله ، وغاياته ومناكبه ، أنواعا من الخيرات والطيبات والنعم . ثم حث الناس على استعمالها والاستمتاع بها والاستفادة منها في الحياة الدنيا ، فقال في آيات عديدة من كتابه الحكيم ، دستور البشرية :”يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ” .و “فامشوا في مناكبهم وكلوا من رزقه” . و “وكلوا مما رزقكم الله حلالا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ” . و “فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون ” . وقال مخاطبا لرسله الكرام : “يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ” .
لا يجوز لأحد تحريم ما أحل الله لعباده
يجب أن يكون واضحا لكل من يحاول تحريم ما أحل الله تعالى لعباده من رزقه وطيباته ونعمه وخيراته ، حلالا طيبا وزينة ومتعة فقال : “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعبادة والطيبات من الرزق” . وقد كان اهل التقوى والمعرفة من السلف الصالح لا يمتنعون عن استعمال الطيبات من الرزق وابتغائه في مناكب الأرض ، وكانوا يلبسون الثياب الحسنة النظيفة النقية ويحافظون على حسن الهيئة والمنظر ، وخاصة في الصلوات والجمع والأعياد ولقاء الأصدقاء والضيوق والوفود .
الفرق بين الكبر والجمال
من المؤسف جدا أنه قد اشتبه على بعض الناس ذلك الفرق الدقيق بين مظاهر الجمال وحسن الهيئة المرغوب في الإسلام ، وتبيانا وإيضاحا لهذه الشبهة القديمة والمدينة ، قد بين الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه هذا الفرق بكل صراحة ووضوح . روى الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الحنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ، قال : “إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط الناس” . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يلبس أحسن وأنظف ما لديه من ثياب ، ويتطيب ويكثر من دهن رأسه ، ويسرح لحيته ، ويفوح منه ريح الطيب لكل من يقرب إليه ، وكان يشدد في استعمال السواك وتنظيف الفم والوضوء والاغتسال والتزين في أيام الجمعة والأعياد .
التخمة يتولد منها المخاطر المختلفة
وبينما يبيح الإسلام الاستمتاع الحلال بالطيبات من المأكولات والمشروبات والملبوسات ، قد منع الإسراف والتبذير . وأما الإسراف فهو مجاوزة الحد ، بأن يكون الإنفاق – في حالة المتعة المالية – عن بذخ فوق الطاقة أو الضرورة بما فيه سفه وضياع للمال وهو ما حرمه الإسلام ، أو مجاوزة الحد في الأكل والشرب فتكون التخمة التي يتولد منها الأمراض المختلفة ، وهذا من الأسلاف ممنوع في الشريعة الإسلامية . وقد روى أن الله سبحانه وتعالى قد جمع الطيب كله وحكمه في نصف آية من كتابه ، هي قوله : “كلوا واشربوا ولا تسرفوا ” . وجاء في حديث رواه الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : “كل ما شئت والبس ما شئت ، ما أخطأتك خصلتان : سرف ومخلية” . وقال الله تعالى في شأن المسرفين والمبذرين : “إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين” .