الخليج اليوم – قضايا انسانية –12/11/1985
إن الدعوة الإسلامية في حقيقتها تربية . والتربية تحتاج إلى القدوة الشخصية أولا وقبل كل شيئ ، لأن التأثر بالأفعال والسلوك الشخصي أبلغ وأكثر من التأثر بالكلام والوعظ والإرشاد ، وإنما كانت الطريقة التي اتبعها رسول الهداية وإمام الدعاة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، هي القدوة الحسنة والأسوة المثالية ، ولم تكن مجرد وعظ وإرشاد ، وكان يدعو الناس إلى الحق ، ويبلغهم رسالة ربه ، ويربيهم بسلوكه الشخصي وبالقدوة ، ويربيهم كيف يحققون في عالم الواقع أوامر الله تعالى ، وكيف تكون العبادة خالصة لله عز وجل .
أثر القدوة الشخصية
وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : “كان خلقه القرآن” . وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تشرب في قلبه كل معاني القرآن ، وتخلق بها وتطبع حتى صار القرآن هو خلققه ، وصار خلقه هو القرآن ، ثم دعا الناس وهو على هذه الصورة أي صورة حية محسوسة لتعاليم كتاب الله . وكان بها كالكتاب المفتوح الذي يقرأ فيه الناس معانيه فيقبلون عليها وينجذون إليها . وأن الدعوة العملية للإسلام لهي أكثر تأثيراوأدوم نفعا ، لأن المدعوين يستدلون بها على أحقية هذه الدعوة وإخلاص الداعي فيها يدعوهم إليه .
أهمية موافقة العمل للقول
وأن تبليغ الدعوة الإسلامية بالقول الحكيم والموعظة الحسنة مطلوب كإحدى الوسائل الهامة ، كما جاء في كتاب الله عز وجل ، إذ قال مبينا أساليب الدعوة السليمة : “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة.” . ولكن جاءت فيه إرشادات أخرى عديدة في مجال تبليغ الدعوة بالسيرة الحسنة والقدوة الطيبة ، ومنها قوله تعالى : “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ” . وقوله تعالى أيضا : “وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا..” ..
وفي مقدمة أصول السيرة الحسنة موافقة العمل للقول . وأن موافقة عمل الداعي لقوله لهي المعيار الذي يزن به المدعوون من عامة الناس ، مدى جدية دعوته ومقدار إخلاصه فيها . وأن النفس البشرية لمجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعمله ولا يوافق فعله قوله . ولهذا حذرنا الله سبحانه وتعالى من مخالفة أفعالنا لأقوالنا فقال : “يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما تفعلون ” .
كيف انتشر الإسلام في بلاد الدنيا ؟
إذا درسنا تاريخ انتشار الدعوة الإسلامية في كثير من بلدان العالم ، وفهمنا الوسائل والأساليب التي كان يتخذها الدعاة الأوائل من السلف الصالح ومن اتبع هديهم ، في مختلف الظروف والعصور والبيئات ، نرى أن القدوة الحسنة والسيرة الطيبة للدعاة كانت في مقدمة أسباب انتشارها . وكانت أخلاقهم الفاضلة وأفعالهم الحميدة وصفاتهم العالية تأخذ بألباب المدعوين ، وتأسر قلوبهم وتجذب أذهانهم ، وتحملهم على اتباع سيرتهم وقبول دعوتهم والالتفاف حول رايتهم ، وكانوا بهذه الصفات العالية فاتحي القلوب ، وناشري النور والعرفان في آفاق الظلام ومراكز الجهل ، بكل هدوء ووقار وسلام ، بعيدين من الضجيج والعويل والصراخ ، والصدام والشجار ، في كل تافه صغير ، بلا نفع وبلا جدوى .
وأن الداعي إلى الإسلام بسماحته وعفوه وصبره ، على أذى الجاهلين والمعاندين يفتح قلوبهم للتفكير في أأحقية دعوته وجديته ، ويحملهم علي التوجه إلى ما يدعو إليه وقبوله ولو بعد حين . وإذا انحرف الداعي عن هذا الطريق السوي ، والهدى النبوي فيكون منفرا عن دعوته ولا مبشرا ، وليتق كل من ينصب نفسه في مجال الدعوة الإسلامية ، ربه في هذا الأمر الخطير ، فلا يكون منفرا عن الإسلام بسيرته وأفعاله وهو يريد الدعوة إليه بخطبه ومقاله .