الخليج اليوم – قضايا انسانية -16/10/1985
إن الإسلام دين الفطرة كما أنه دين العقل والعلم ، ومن فطرية الاسم أنه صرف قلوب الناس عن التعلق بما كان عليه آباؤهم وأجدادهم ، ونهاهم عن التقليد الأعمى ، فكلف الاستقلال لكل شخص في عقله وفكره وعمله ، وأعلن أن الإنسان لم يخلق ليقاد بالتبعية والتقليد ولكنه فطر على أن يهتدي بالعلم والفكر ، وعاب على أرباب بعض الأديان في اقتفائهم أثر آثارهم ، ووقوفهم عندما اختطته لهم سير أسلافهم .
ذم القرآن الظنون والأفهام
وقد ذم القرآن الكريم هذه الظنون والأوهام ونبه على أن لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت وأعلن :”وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ، ثم يجزاه الجزاء الأوفى ” . وأيضا : “ولاتزر وازرة وزر أخرى ” . ثم حكى قولهم عن التقليد ومغبته : “إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ” . وهكذا صاح الإسلام بالعقل البشري السليم صيحة أيقضته من سبات التقليد اللمتوارث ، وهبت به من نوم طال عليه الأمد ، فقال القرآن مخاطبا أهل الكتاب الذين تقع عليهم مسؤولية كبرى للحالة التي وصلت إليها عقول البشرية من الجمود والتأخر والتقليد واتخاذ الكهنة والرهبان أرباب من دون الله : “قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولالا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ..”
تحرير العقول البشرية
إن دعوة تقوم على قاعدة هامة وعلى تحرير العقول البشرية من الأعباء المصطنعة التي فرضتها القوانين البشرية أو العادات والتقاليد المتوارثة . وكذلك تتسم هذه الدعوة بالبساطة والوضوح وسهل المنال فلا تكلف المرء أن يطيع أمرا يعتذر عليه إدراكه أو تنفيذه وكذلك لا تعترف بامتيازات خاصة ولا بنظام الطبقات لأن هذه الامتيازات وتلك الطبقية هما تؤديان الأفراد والجماعات إلى اتباع بعض التقاليد المتوارثة البالية جيلا بعد جيل .
إن التقليد الأعمى قد أضر المسلمين في شتى مرافق الحياة البشرية لأن قوما إذا انحرف عن تعاليم خالق الإنسانية وعالم بطبائعها ونزعاتها ، ونزواتها واتبعوا الأوضاع البشرية ، وهربوا وراء آراء وأفكار المتربصين بهم ، من عمد أو جهل ، وأكبوا على أقوال وقوانين الأمم الغالبة تحت تأثير مركب النقص وفقدان الثقة بالنفس ، فما بعد ذلك إلا الخزي والعار ، والتخلف والانحلال ، وما بعد الهدى إلا الضلال !
وإلى هذا النوع من البشر يشير القرآن : “ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل …”
مسؤولية العلماء والمصلحين
ويظهر بكل وضوح وجلاء مدى مسؤولية العالماء في صلاح الأمة وتنوير طريقها نحو الهداية والوقاية والحماية من كل الآفات والبليات في شتى مرافق الحياة من إرشاد الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : “صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس كلهم ، وإذا فسدا فسد الناس كلهم العلماء والأمراء ” .
فلننتبه بحس مرهف ، وعقل واع ، وقلب سليم ، إلى تقديم نبي الهدى وإمام الأمة “العلماء” على “الأمراء” لأن العلماء هم الذين ينصحون الأمراء ويرشدونهم إلى الطريق القويم بالحكمة والموعظة الحسنة فالعلماء يرشدون وينصحون ، والأمراء يهتدون وينفذون ، والأمة تطيع الأمراء والعلماء . وهكذا كان السلف الصالح والمسلمون الأوائل ، وكانوا نبراسا للحائرين وأسوة للمتقين .