الخليج اليوم – قضايا انسانية -20/10/1985
يمتاز الإسلامفي تشريعاته الخاصة بالمعاملات الإنسانية بميزات لا يوجد لها في التشريعات الأخرى القديمة منها والحديثة ، كما يمتاز في تشريعاته الخاصة بالعقيدة والعبادة والسياسة والاقتصاد وغيره . وهذه حقيقة معروفة لدى كل الباحثين المنصفين والدارسين المدركين لخصائص التشاريع . عندما قارنوا الشريعة الإسلامية مع الشرائع الأخرى .
منهج أخلاقي إلزامي
إن التشريع الإسلامي يمتاز بعنصر أخلاقي له صفة الالتزام ، في كلياته وجزئياته ، من تهذيب النفوس وتزكيتها وتطهيرها ، وأن الدين الحق يهدف تنظيم السلوك العام بين الإنسان وخالقه وبين الإنسان وبني جنسه ومن هنا جاءت الحكمة المأثورة : “الدين المعاملة” ، فما الدين إذن إلا تنظيم المعاملات الإنسانية بأوسع معانيها .
ويتجلى أثر هذا المنهج الأخلاقي الإلزامي ، في كل آية من آيات القرآن الكريم وفي كل حديث للنبي الكريم – قوله وفعله وإقراره ، أمره ونهيه – ولقد ظلت الإنسانية قرونا طويلة ، ولم تهتد إلى مفهوم الخير والشر بتعريف دقيق وشامل ، ثم خطا الإسلام بها خطوة واسعة فهو في الوقت الذي يأمرك فيه بفعل الخير وترك الشر ، يحدد لك مفهوم الخير والشر تحديدا واضحا لا تضل بعده ولا تشقى ، فهو يعلن أن كل ما يحقق مصلحة للفرد أو الجماعة ، أو يدفع ضررا عن الفرد أو الجماعة فهو خير يجب أن يفعله المؤمن ابتغاء وجه الله فقط ، وكذلك كل ما يعطل مصلحة أو يلحق ضررا بالفرد أو الجماعة فهو شر يجب أن يترك لوجه الله وحده .
الوازع هو الإيمان والضمير
والمسلم في فعله أو تركه يقصد وجه الله تعالى لأن الله عز وجل هو المشرع ، ومن حقه أن تطاع أوامره ، ومن واجب المؤمن أن يمتثل أمر الله تعالى بدون تردد أو شك ومن هذا المنطق السليم نرى أن الإسلام هو أول داع للخير والفضيلة بمنهج له صفة الالتزام ، بعد إعداد روحي خالص لكي تقبل النفس على فعلي الخير والتزام الفضائل ابتغاء وجه الله والتقرب إليه .
وهذه الدعوة المثالية إلى التزام الأخلاق الفاضلة في المعاملات الإنسانية ، لم تعرف البشرية لها مثيلا قبل الإسلام الذي اكتمل به حلقات الرسالات السحاوية وتمت به سلسلة النبوات الربانية فقد أعلى خاتم الأنبياء والرسل غرض بعثته بكل صراحة ووضوح إذ قال : “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” .
ويدل هذا التصريح النبوي أن الأخلاق الفاضلة ومناهجها لم تكن تامة وكاملة حتى البعثة المحمدية ، ومع اكتمال الدين وإتمام النعمة أصبحت مناهج الأخلاق كلها تامة وكاملة ، في جميع مواقف الحياة البشرية مع إعلان اكتمال الدين في حجة الوداع : “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ” .
المذاهب الأخلاقية الحديثة
لقد ظهرت في العصر الحديث مذهب شتى بأسماء مختلفة مثل : الآداب العامة ، والعلاقات الإنسانية ، والعلاقات الدولية ، والأدب الاجتماعي والسلوك الاجتماعي والعلم الاجتماعي ، وعلم النفس آداب الإنسان وغيره ، وانبهر بهذه المذاهب الحديثة وافتتن بها بعض المستغربين من المثقفين المسلمين لمجرد كونها من صادرات الغرب ، ومختلفات الثقافة الأوروبية ، ومن اختراعات الدول الناهضة ، ومن بواعث الاستغراب أن هذه المذاهب غير متفقة على ما هو خير أو ما هو شر بتحديد سليم واضح ، وكل هذه التعاريف تدور حول تعيين الخير والشر باعتبارات المصالح الشخصية والمجاملات والمداهنات الاجتماعية وبعبارة أخرى أن هذه المذاهب قائمة عللى آآراء بشرية واجتهادات شخصية ، ولهذا نراها غير متفقة على مفهوم الخير والشر بتحديد واضح يتفق والفكرة الإنسانية السليمة ولا يمكن التهرب من الالتزام به أمام الضمير الإنساني ، ولا تكون له شائبة “الدبلوماسية” العرجاء ، و “المجاملة” اللجوفاء ، ولكن أخلاق الإسلام في المعاملات الإنسانية نابغة من عقيدة راسخة في حب الخير لذاته وبعض الشر لذاته ، دون أي اعتبار عارض أو خارجي .
حسن المعاملات واجب إسلامي
لقد أوجب الإسلام على كل مسلم أن يكون مظهرا حيا لحسن المعاملات في حياته اليومية ، كما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما الإسلام؟” فقال : “لين الكلام وإطعام الطعام وإفشاء السلام ” . ثم قال : “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ” . وقال رسول الإسلام : “الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لاإله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق” .
هل طبقنا ولو أدنى شعبة من شعب الإيمان ؟ والسؤال الذي يجب أن يوجهه كل مسلم إلى نفسه اليوم : هل طبق ولو أدنى شعبة من شعب الإيمان ، وأسهلهم في معاملته اليومية ؟ وهل يبالي بإلحاق الأذى والضرر للمارين بجوار منزله أو شقته بالطريق العام ، بطرح القاذورات وقذف الزبالة وجمع القمامة وصب المياه الآسنة من فوق السطوح أو من الشباك إلى الطرق المزدحمة بالمارين ؟ مع أن المقصود بإماطة الأذى الوارد في الإرشاد النبوي الكريم هو إزالة ما يؤذي المخلوقات من الطريق العام ولو كان شوكة أو حجرا أو طوبة ، فما بالنا بزيادة الأذى فيها ؟ أفبعد هذا المثال الشائع المزعج نحتاج إلى دليل على أننا اليوم أبعد الناس عن أخلاق الإسلام والمعاملة الإنسانية التي يطلبها منا كخير أمة أخرجت للناس !!…