?الوسيلة يناير 1954م
إذا تتبعنا التشاريع السماوية كلها تصفحنا كتب الأديان المتعددة بأجمعها وتعمقنا في أصول المذاهب المختلفة بحذافيرها ، لا نجد تشريعا يؤاخذ المرء بضميره أولا وقبل كل شيء ، ولا دينا يهتم بإصلاح ضمير الفرد قبل كل اعتبار ، ولا مذهبا يعلق كل آماله على ضمير أتباعه فقط قبل المظاهر والشكليات مثل التشريع القرآني – والدين الإسلامي والمذهب المحمدي ، إن الإسلام يخاطب ضمير الفرد ويحاسب عليه قبل مظاهره وصوره وأقواله وعمله ومن هنا يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم مبينا هذه الحقيقة الواضحة في تعاليمه والحكمة البالغة في إرشاداته بقوله – إن الله لا ينظر إلى أقوالكم وأفعالكم بل ينظر إلى قلوبكم – وفي حديث آخر يصرح رسول الوجود ونبي الرحمة صلى الله عليه وسلم قائلا “التقوى ههنا” يشير بيده إلى صدره – إلى هنا الأمر سهل ، والفهم بسيط ولكن كيف ومتى نستطيع أن نجعل ضميرنا حكما علينا ؟ وكيف ومتى يتغلب ضميرنا علي القوى الشهوانية والبهيمية الكامنة في نفوسنا التي هي دائما الباقي نضال عنيد مع إرشادات الضمير وإرشاداته وكيف ومتى تصدر أعمالنا وأقوالنا وفق ما في ضميرنا وكما يرضى هو وربه ؟ هذه هي المشكلة العظمى والطامة الكبرى التي تتحير عندها العقول وتضعف عندها الحيل .
إن النتائج المترتبة على فساد ضمير فرد وانحرافه “لا تتعدى إلى شخصه ولا تؤثر في مصيره فقط بل تتعدى إلى آخرين أبرياء بل وربما إلى الجنس البشري كله فأمامنا عدة أمثلة حية على ذلك منها الحربان العالميتان العظيمتان اللتان أنزلتا خسائر جسيمة في الجنس البشري كله في مختلف بقاع الأرض ولا تزال آثارها المشؤومة مائلة أمام أعيننا ، فإذا نظرنا بعين التحقيق والإنصاف إلى منشأ هذه الحروب مصدر هذه البلايا وجدنا أن مصدرها أفراد قليلون يعدون بالأصابع الذين باضت فكرة السيطرة على العالم والامتلاك على زمام الحكم بأيديهم ثم أفرخت شظايا الدمار والهلاك في ا لوجود مع أنهم لم يلبوا نداء الضمير والحق ولم يردوا المصلحة وخير الإنسانية فخربت العالم شرقا وغربا وكانت طمعتها الشعوب الصغيرة والدول الصعيفة كل هذا وذاك كبرياء هتار وغطرسة ستالين ورجعية تشرشل وطمع روزفلت .
فإذا احتكم إنسان إلى ضميره فكيف يجرؤ على التدخل في حقوق أخيه الإنسان وأغراضه ؟ ولماذا هذا التطاحن والتكالب في سيل قطعة من الأرض التي يستردها منه خالقها بعد برهة من الزمن أو في سبيل الجلوس على كرسي الحكم أياما معدودة في هذه الحياة الفانية أو لأجل سمعة كاذبة ليس لها قيمة ولا وزن عند الله وضمير الإنسان ومثله العليا والأخلاق الفاضلة وجمال الحياة السعيدة ، فالاحتكام إلى ضميرنا في كل ما نقدم عليه واستهداف رضائه وربه هو السبيل الوحيد لسعادة الدارين .